شبكة المسيرة الإعلامية، شبكة يمنية متنوعة تسعى لنشر الوعي وقيم الحق والعدالة بين مختلف شرائح المجتمعات العربية والإسلامية من منطلق الثقافة القرآنية، وتعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، وتعمل على نصرة قضايا المستضعفين، ومواجهة تزييف وسائل إعلام قوى الاستكبار وكشف مؤامرتها بمصداقية ومهنية وبطرق إبداعية.
دروس من هدي القرآن الكريم
من كتاب
[الناسخ والمنسوخ]
[الدرس السابع]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 3/6/2003م
اليمن – صعدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
يقول الإمام القاسم (صلوات الله عليه): [فتعلموه – يا بني – وعلِّموه] أي القرآن الكريم [فتعلموه ـ يا بني ـ وعلِّموه، وفقكم الله لرشد ما وهبكم الله ومنَّ به عليكم من أهل أو ولد ومن رأيتموه،] علموه أهلكم وأولادكم [ومن رأيتموه، وإن كان في النسب قاصيا بعيدا، ولله مريدا،] فعلموه الناس جميعاً, أهلكم وأولادكم, وحتى البعيد منكم في النسب, علموه القرآن.
[فإن في تعليمه وعلمه، ودرك فهمه وحكمه، النجاة المنجية والفوز، وهو فكنز الله المكنوز، الذي كَنَزَه وأخفاه، لمن رضيه واصطفاه، وطواه فواراه، عمن هجره وجفاه، فلن يفهمه عن الله إلا مجد في علمه مجتهد، ولن يصيب علمه إلا طالب له مسترشد.
واعلموا يا بني علَّمكم الله الكتاب والحكمة، ونفى عنكم ــ بما يعلمكم منها ــ العمى والظلمة، أن أول علم الكتاب وتعليمه، العلم بقدره عند الله وعِظَمِه].
هذه قاعدة مهمة, أول شيء مهم في تعاملك مع القرآن الكريم هو: العلم بقدْرِه, بقدر القرآن الكريم عند الله, وعظمه عند الله. عندما تفتح المصحف, وتبدأ تقرأ تكون مستشعراً لأهمية هذا الكلام, أهمية القرآن الكريم, أولاً: أنه كلام الله, وفي نفس الوقت أن هذا الكلام هو عظيم القدر عند الله سبحانه وتعالى, لا يأتي واحد يقلب المصحف مثلما يقلب أي كتاب آخر, استشعر هذا في نفسك, في ذهنك.
[وإن كان من لم يعلم قدره وغرضه،] الغرض من القرآن, يعني مقاصد القرآن [أعرض عنه وهجره ورفضه، فقلَّ به هداه وإتباعه، ولم ينفعه مع الجهل استماعه، بل خسر به ورجس، كما قال من جل وتقدس: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَزِيْدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً ? [الإسراء: 82]. فجعله كما تسمعون للمؤمنين شفاء ورحمة، وللظالمين عمى وخسارا ونقمة، كما قال تعالى: ? وهو عليهم عمى? [فصلت: 44].
وفيما زِيدُوا به من الرجس، مع ما فيه من الحكمة والقدس، ما يقول الله سبحانه: ? وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا} [التوبة:124]. قال الله سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِيْنَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيْمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَأَمَّا الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ، وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124 – 125].
وفي هذا الموضوع يأتي الناس ينشغلون كيف يتم هذا! وأهم شيء في الموضوع هو: أن تعلم أن هذه القضية واقعية, أهم شيء في الموضوع هذه: أن الإعراض عن القرآن الكريم, أن عدم الاهتمام به من أول سماعه, تفهمه, وتنطلق على أساسه. إذا لم تكن هكذا يحصل ضلال, يحصل رجس, يحصل إدبار, القرآن يدبر عنك, يحصل عمى, يحصل أشياء رهيبة جداً!. أما كيف يعمل, فيمكن واحد يعمل استبيان, يكون واحد يلاحظ ناس من هذه النوعية.
[ففرضُ كتاب الله يا بني وقصدُه، فهو هداية الله به ورشده،] وهذا الشيء المهم في القرآن, وهذه مهمة القرآن الكريم: هداية من الله لعباده, إرشاد من الله لعباده. ويجب أن ننظر إلى القرآن بهذا المعنى, ما نقول: آيات تشريع, آيات أحكام, أحكام شرعية… أشياء من هذه.
هو مثلما قال في مقام آخر يوصي أولاده: أن ينظروا إلى القرآن ككتاب هداية, كتاب هداية, وهذه هي العبارة التي تكررت في القرآن الكريم بشكل كبير, كلمة: هدى, هدى, يهدي .. وفي الأخير نأتي نؤطر الموضوع, ونحجمه ونقول: أحكام شرعية, كتاب تشريعي .. كتاب تشريعي, هذه واحدة من مهامه, كتشريع, ولأن كلمة تشريع نحن قد أطرناها, وضيقناها فيما يتعلق بالأحكام التي نعرفها, ويقرأها الناس في العبادات, والمعاملات, وهذه كلها هم يطلعونها من القرآن خمسمائة آية! أليسوا يطلعون آيات الأحكام خمسمائة! وباقي آلاف الآيات!.
القرآن هو كتاب هداية, يهدي الناس إلى صراط مستقيم, إرشاد لهم, إرشاد واسع بسعة الحياة كلها, وكل شئونها, وكل مجالاتها, والأزمنة كلها على تعاقبها إلى يوم الدين.
اعتبره كتاباً واسعاً أعظم من سعة الحياة, لا تأت تؤطره في ذهنك بخمسمائة آية, مثلما يعملون! يعني العلم كله, والدين كله في إطار خمسمائة آية!! وآلاف الآيات ماذا ستعملون بها؟! فهو كتاب هداية في كل مجالات الحياة, في كل شئون الحياة, وأنت سترى في الأخير, ترى بأن نفس العبادات هذه هي واحدة من وسائل الهداية هي فقط وسائل عملية للهداية, وسائل تربوية, وسائل ترويضية, والعبادات, المعاملات, كثير من أحكامها تجدها تصب في هذا الجانب: في كيف تكون الأمة هذه مهتدية.
الربا لماذا هو محرم, البيوعات المجهولة, البيوعات المنهي عنها, الأشياء هذه كلها تجدها في الأخير تنتهي إلى أن يكون الناس أمة واحدة, تهدف إلى أن يكونوا أمة واحدة, أن تكون الخلافات قليلة داخلهم, تكون الاختلافات قليلة, يكون هناك تكافل فيما بينهم. أليس هذا كله يقدمه كله عبارة عن وسائل في إطار العنوان الكبير وهو الهداية, هداية الأمة إلى الصراط المستقيم في كل شئونها, في كل مجالات حياتها؟.
[والرشد من الله والهدى، فهو الفوز بالخير والنجاة من الردى، ومن ظفر برشده وهُداه، فقد أصلح الله دينه ودنياه.] بهذه العبارة العامة دين ودنيا [وليس يا بني بعد فوت الدين والدنيا، حياة لأحد من الخلق ولا بُقيا،] إذا أصبحت وضعيتك بالشكل الذي دينك ودنياك معطل فيها ماذا بقي؟! ماذا بقي بعد الدين والدنيا؟! خسارة هنا في الدنيا, وخسارة في الآخرة, والعلاقة بين الدين والدنيا علاقة لا يمكن فصلها على الإطلاق.
الدين لاستقامة الدنيا, واستقامة الدنيا لاستقامة الدين, استقامة الدنيا تجسيد لسيادة الدين. ما تتصور دين لوحده, ودنيا لوحدها, لا تستقيم الدنيا على الإطلاق مهما فكرنا وما هناك استقامة وسيادة للدين في توجيهاته, وهداه وإرشاداته.
[وليس يا بني بعد فوت الدين والدنيا، حياة لأحد من الخلق] إذا فسد دينك ودنياك ما بقي شيء؛ لأنه هنا يقول: [ومن ظفر برشده وهداه فقد أصلح الله دينه ودنياه] فكيف يمكن فساد الدين؟ أصل الكلمة هذه لا تتوجه إلى الدين فيقال: الدين فسد! أبداً, مثلما قلنا بالأمس: أنه ليس بإمكان أحد على الإطلاق أن يزيف الدين, يزيف القرآن, لا , الأشياء تأتي على ما قال الإمام القاسم في الدرس الماضي: الآخرون هم يقدمون أشياء ويحسبونها على الدين, يسموها إسلام, يسمونها دين, يعمدون إلى القرآن الكريم, يحرفون تأويله, ويقدمونه للأمة, يقدمون المحرف, يقدمون الضلال, ويحسبونه على القرآن, بالطريقة هذه يأتي.
[فليكن أول ما تخطرون في الكتاب ببالكم، وترمون إليه فيه ــ إن شاء الله ــ بأوهامكم، ما ذكرت من غرضه ووصفت، ووقَّفت عليه من قصده وعرَّفت، فمن لم يعرف غرض ما يريد وقصده،] لم يعرف غرض القرآن, أو أي إنسان لا يعرف غرض ما يريده, وقصد ما يريده [لم يبذل في الطلب له جهده، ولم يعلم منه أبداً، هداية ولا رشداً، فخرج من علمه كله صفرا،].
الإمام القاسم يركز هنا على قضيتين, قضيتين هامتين جداً: أن تعلم أولاً عظمة هذا القرآن عند الله, وقدره. أليست هذه أول واحدة؟ ثانياً: أن تنظر إلى القرآن أنه كتاب هداية, وإرشاد للعالمين جميعاً, في كل شئون حياتهم. هذا هو غرض القرآن وقصده. إذا لم تعرف غرض القرآن وقصده لن تستفيد.
[لم يبذل في الطلب له جهده، ولم يعلم منه أبدا، هداية ولا رشدا، فخرج من علمه كله صفرا،] عندما تنظر إلى القرآن بالنظرة القائمة مثلاً أجي أقرأ, وكلما أقرأ, وكلما في ذهنيتي هو ماذا؟ بحث عن أحكام شرعية. أليس هكذا نقول؟ أريد أقرأ لأعرف الأحكام الشرعية, مثل: العبادات, والمعاملات. فَهَمّي من القرآن عندما أراه أبحث عن آيات الأحكام حتى أطلع مجتهد؛ لأجل يكونوا يقولوا: الأخ العلامة المجتهد, وهكذا, ألقاب!.
طيب هنا تنسى أنه باقي هناك مساحة واسعة جداً من القرآن الكريم, بل تجد سور في القرآن الكريم لا يوجد فيها حكم شرعي من هذا النوع نهائياً. سورة [يس] سورة [عمّ] سور أخرى ليس فيها, لا حول نكاح, ولا طلاق, ولا بيوعات, ولا ربويات, ولا صلاة, ولا حج, ولا صيام, ولا شيء من هذه، وتجدها في مجال الهدى كل مفردة فيها هامة في مجال الهدى.
يجب أن تفهم أن الأحكام الشرعية هذه التي تسيطر على ذهنياتنا, على نفسياتنا، هي كلها إنما هي واحدة من وسائل الهداية: الصيام يقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة183), يتحدث عن الحج بكله {مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}(البقرة125), يتحدث عن الغايات كلها في إطار هداية الأمة؛ لتكون بشكل صحيح، وعمارتها للحياة على أساس صحيح، وتكون النفوس زاكية طاهرة.
الهداية هو العنوان الكبير، هو العنوان الكبير، عندما تنظر إلى القرآن بهذا الشكل من أول مفردة فيه إلى آخر مفردة، تستفيد منه, وتمر بآيات الصلاة, بآيات الحج, بآيات النكاح, الطلاق, والبيوع, والأشياء هذه… وكلها لم تعد في ذهنيتك إلا من وسائل الهداية، وهذه هي مقاصدها، مثلما قال الله في الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}(العنكبوت45) أليست وسيلة قدمت هنا؟ أنها وسيلة من وسائل ذكر الله{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}(طه14) ألم يقل هكذا؟.
تجد هنا كل العبادات هذه، وكل الأحكام في المعاملات، لها غاية تعود إلى ماذا؟ تعود إلى زكاء النفس, وإلى بناء الأمة بشكل صحيح، نفس الاتجاه حق الآيات الأخرى التي ليس فيها ولا حكم واحد.
لهذا يجب أن نلحظ هذا الشيء: أن ننظر إلى القرآن كتاب هداية, وأنه لا يأتي يركز هو على كلمة: وجب, يجب إلا في النادر؛ لأنك متى ما لاحظت القرآن كتاب هداية، ستفهم الصلاة وقيمتها أكثر مما يفهما آخرون، في كونها وجبت؛ لأن فيها أقيموا، وأقيموا فعل أمر يدل على الوجوب. تفهم قيمتها بأرقى, وأكثر ممن ينطلق هذه الانطلاقة الثانية، وبهذا الشكل يستفيد الناس من القرآن.
بالنظرة القائمة والتي نسير عليها في منهجيتنا في حلقات الدرس، ما تستفيد من القرآن أبداً, ولا نفهم الغايات من هذه؛ لأنك لاحظ تجد كلمات: أقيموا الصلاة، كلمات حج، كلمات هدى.. في وسط آيات أخرى, يكون لها علاقة بمواضيع أخرى، في الموضوع العام, في إطار الهداية, في كونها كلها هداية، وإرشاد.
يأتي يتحدث عن الحج في وسط آيات الجهاد، ماذا يعني هذا؟ أن الحج مهم فيما يتعلق ببناء الأمة وتأهيلها لأن تكون أمة مجاهدة، وأن الحج لعلاقته الهامة فيما يتعلق بهذه الأمة، لعلاقته ببنائها, لعلاقته بأن تكون أمة قادرة على مواجهة عدوها، هو أيضاً مستهدف من جانب العدو، يؤكد على أنه مستهدف من جانب العدو. وهذا شيء ملحوظ. الغربيين مركزين جداً على موضوع الحج بأي طريقة، كيف يعطلونه, كيف يسيطرون عليه؟.
لو أن المسألة هي مسألة هذه الأحكام فقط، وهي هي المقصودة فقط, ولذاتها فقط، ما هناك غاية لها أخرى، إلا اللهم أن يأتي لواحد ثواب هو الغاية ـ وهذا هو المفهوم السائد ـ مِن يأتي بشكل فصول. لكن يأتي بالصلاة، ويتحدث عن الصلاة مع الإنفاق في سبيل الله، أليس هكذا؟ فالصلاة لها أثر في مجال الشد إلى الله، في مجال معرفة الله، في مجال الثقة بالله.. الثقة بالله تجعلك بشكل تكون هنا عنصراً فاعلاً, ومؤمناً قوياً, يكون لك أثرك في هذه الحياة.
وتجد العبادات كلها هذه التي نسميها، والأحكام هذه كلها مفرقة، ومبعثرة داخل مواضيع متعددة، وكلها في هذا الاتجاه: هداية، وإرشاد, فالهداية، والإرشاد أشياء منها سلوكيات, أشياء منها تجتنب أشياء, وأشياء منها تواظب على أشياء، وكلها في إطار تزكية النفس, وسموها, وبناء الأمة بشكل صحيح.
[فمن لم يعرف غرض ما يريد وقصده، لم يبذل في الطلب له جهده، ولم يعلم منه أبدا، هداية ولا رشدا، فخرج من علمه كله صفرا، ولم يصب بشيء منه ظفرا،] إذا لم تعرف القرآن كتاب هداية، لم تصب شيئاًَ, ولن تظفر بشيء حتى ما تعرفه من الأحكام هذه التي نقول عنها: أحكام شرعية, عبادات ومعاملات، تفهمها فهماً ناقصاً، ولا لها قيمة عندك إلا باعتبار كونها يأتي بعدها ثواب، أو أثام إذا تركتها, لا يوجد لها غاية أخرى، ما تفهم قيمتها, وتفهم جاذبيتها أنت، وتفهم ما تترك من أثر في مجالات أخرى.
[ولم يصب بشيء منه ظفراً وكان كمن سلك طريقا لا يعرف وجهته ولا قصده، فتبع فيه ضلالته وخسرته وتلدده،] يعني ضايع، ما يهتدي بشيء [فلم يزدد من الهدى، إلا نقصا وبعدا، فهلك وأهلك فضل وأضل عن سواء السبيل،] وهنا الخطورة في هذا؛ لأنه لا يضل لوحده، في الأخير يضل الآخرين.[فهلك وأهلك] وهذه حقيقة من أسباب ضلالنا أننا لم ننظر إلى القرآن ككتاب هداية، في حلقات الدرس حقنا, وفي توجيهنا, وإرشادنا, وحركتنا الثقافية.
لم ننظر إليه ككتاب هداية، ثم نعرف ما هي الهداية؟ الهداية في الحياة كلها, كل شئونها, كل أمورها, كل مجالاتها .. لا تعني الهداية إن واحد يقول: [يا سيدي أشتي تهب لابني عزيمة، أن الله يهديه, يهتدي, بيكسر علينا فناجيل ويبكي كثيراً, ويكسر ثلاجات, ولا يترك أمه تعمل لنا غداء, نريد يهتدي].
مسألة الهداية يعني: هداية في الحياة كلها، كلما أمامك, كل مجالات الحياة, نظام للدنيا هذه كلها، في كل شئونها, في كل مجالاتها. هذه هي الهداية, في كل مسيرة الإنسان في الدنيا هذه. ثم لاحظوا كلمة هداية هي توحي بأن الإنسان والحياة في حركة مستمرة{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(يس40) كل شيء يسير, كل شيء يسير, كل شيء متحرك، ألسنا نرى الشمس، والقمر، والليل، والنهار، والنجوم أليسوا كلهم هؤلاء في فلك يسبحون؟.
الأرض التي نحن عليها تدور، أليست تدور لها دورتين ـ كما يقولون ـ دورة حول نفسها، ودورة حول الشمس, وأنت أيضاً في الحياة، لا يوجد أحد جالس، لا يوجد أحد جالس أبداً، باعتبار حركة الحياة أبداً. وكلمة هدى، يعني: أنتم سائرون، أنتم ماشين، أن هذا ليهديكم كيف تكونون في مسيرتكم في الحياة, وليس أننا جالسون، لا نتصور أن الله يرانا جالسين ثم يقول: هه شوفوا هذا وتأملوه لأجل إذا أحببتم تتحركوا, تتحركون على أساسه!. لا, حركة قائمة.
فهو هدى, هدى مستمر، ولا بِين تتوقف الحاجة إلى الهدى, والمدد الإلهي في الهدى، ما تتوقف على الإطلاق، مثلما أن الصلاة خمس مرات في اليوم فيها: اهدنا, اهدنا, اهدنا؛ لأننا ماشين على طول، ومتحركين، على طول. فإما أن تهتدي وإلا فأنت ستدخل في ضلال، حتى عندما تجلس ـ مثلما تحدثنا أمس ـ عندك أنك راقد وأنت جالس مالك دخل! أنت تصنع موقفاً وسترى أثر موقفك في الساحة بعد فترة، أنت تتحرك وأنت راقد، أنت تصنع موقف, تترك أثرا في الحياة وأنت راقد! بعض الناس يكون عنده مالنا حاجة ونجلس, يجلس واحد وماله حاجة!.
لا يوجد أحد جالس, لا يوجد أحد جالس على الإطلاق، هو يصنع موقف وسيظهر أثر موقفه وربما يصكع رأسه موقفه هذا, الرقدة هذه قد يكون فيها في آخرها أن يصكع في رأسه .. من جانب الذي زعم أنه يريد يجلس ويسكت، حتى لا يحصل عليه شيء من جانبهم.
هدى من أكثر الكلمات تكريراً في القرآن، لم تأت كلمة تشريع إلا ربما مرة واحدة{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}(المائدة48) يقول: هدى، ونور، وموعظة، هدى, ونور, وموعظة, هدى, هدى, هداية, تهدي, يهدون.. كلها بهذا الشكل. لا يوجد مسألة تشريع, يعني كلمة تشريع هذه هي محدودة، ونحن جئنا حددناها أيضاً وأطرناها, وجعلناها بحيث لم تعد إلا دائرة صغيرة. ما عاد طلع نصيبها من القرآن على أكثر تقدير إلا خمسمائة آية! والقرآن كم هو؟ ستة آلاف وستمائة وستة وستون آية تقريباً.
حتى تعرف مثلاً ما معنى أنه هدى؟ تجد كل ما يصنع الناس في الحياة أليسوا هم ينَظِّرون ويقننون وينظمون ويعملون كل شيء؟ أن هذا هو البديل عنها, والبديل الأفضل، وهو البديل الوحيد الصحيح في كل المجالات هذه.. أليست الدنيا الآن ملان ثقافات، وملان فلسفات، وملان تنظيمات، وملان نظريات، وفي كل المجالات؟.
أليس هناك في التربية منظّرين؟ أليس في النفس علماء؟ أليس في الاقتصاد علماء ومنظرين؟ أليس في الجانب السياسي نظريات ومنظرين؟ وفي الأنظمة… وأشياء من هذه؟ كل الذي يشتغل فيه الناس الآن القرآن الكريم هو هدى بديل عنه وأفضل منه، بل لا مقارنة, وفي كل المجالات.
هل يوجد الآن مجال يتركه الناس فاضي؟ البشر أنفسهم, هل يوجد مجال نتركه فاضي, فارغ هناك؟ أو نحن نتناوله. الجانب السياسي أليس الناس تناولوه؟ تناولوه تنظير, وأنظمة, وهل هذا أو هذا. الجانب الاقتصادي أليس ملان منظرين, ومختصين, وأشياء من هذه، وكتابات فيه, وكتب، وأشياء من هذه؟ الجانب التربوي, كل شيء ترى الناس شغالين فيه.
أليس الناس يحاولون أن يرسموا طريقة تهديهم فيكون أداؤهم أفضل؟ أليست هذه فكرة عند البشر جميعاً؟ إذاً البشر تراهم أنفسهم يتناولون المجالات كلها، لكن ما زالوا متخبطين. فهداية الله هي تبيان لكل شيء، في كل الأشياء التي يراها الناس، ويتناولونها والتي هي كل شيء. لا تتصور هداية، يعني أنا في الجانب الذي نسميه الجانب الروحي، كيف أكون طيب, ومن أولياء الله، وهذه المفاهيم, لا, القرآن هو للدنيا، هو للحياة. والحياة هي أوسع منك، أليست الحياة أوسع؟.
نرى نحن عندما يأتي واحد يقرأ كتاب فقه، يقرأ البيوعات وليس معه بيع وشراء، ويقرأ النكاح والطلاق وما قد تزوج، ولا هو مطلق، يقرأ الزكاة، وهو فقير ليس لديه ما يزكي. ألست هنا تقرأ كتاب هو أوسع منك؟ افهم أن الدين ليس لك شخصياً, أنت، الدين هو للحياة بكلها, والدين هو أوسع من نفسيتك أنت, أوسع من نفسيتك.
إذا أنت تقرأ كتاب فقه، وترى كتاب الفقه هذا الصغير أوسع منك، اقرأ فيه عدة أشياء ما أنا مطبق لها؛ لأنه ليس عندي أولياتها, ما عندي مال حتى أزكي. بين تقرأ كم في البقر، والغنم زكاة، وما هناك ولا إلى عشر بقرات مع احد وهكذا.
إلى أن قال: [فهلك وأهلك فضل وأضل عن سواء السبيل] هذه خطيرة جداً نفهم هذه، عندما نرشد، عندما نخطب, عندما نعلم، يجب على الإنسان أن يفهم، حتى لو أنه يرى نفسه أنه ليس شغال في موضوع الدين، وأنت طالب في الجامعة، أنت طالب في أي موضوع، أنت تتحدث مع الناس حديثاً ثقافياً، قد تضل, قضية خطيرة قد تضل، وقد تعمم مثلاً في أسلوبك مفردة معينة، هي نفس المفردة الواحدة، واحدة, ضلال. لاحظ كيف أن الله نهى المؤمنين في مفردة واحدة كان اليهود أصبحوا يستغلونها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا}(البقرة104) أليست راعنا مفردة واحدة عربية{وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} اسمعوا, اعرفوا أهمية الأشياء، لا تقل هذه ليست إلا كلمة ماذا ستعمل؟ ماذا ستفعل؟{وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. هذه مفردة واحدة، يقول: خلاص, لا عاد ترددوها وهي عربية، وهم يرددونها من قبل!.
[فضل وأضل عن سواء السبيل، وخيَّم وأقام هالكا متحيرا بين هلكات الأضاليل، لا يبصر رشده فيه ولا هداه، مهلكا لمن أطاعه مطيعا لمن أرداه، لا يرى فيه للهدى علما، ولا يطأ به من رسومه رسما.] ما يرى في القرآن علماً للهدى، ولا يقع به من رسومه رسم.
[فاعرفوا يا بني هديتم لرشدكم، ما قد حددته لكم، في كتاب الله من القصد والغرض،] يجب أن نفهم نحن وليس فقط بنيه [ما قد حددته لكم في كتاب الله من القصد والغرض] وهو أن قصده وغرضه ماذا؟ الهداية، والإرشاد.
[فإن بعض ذلك يدعو إلى بعض، فمتى تعرفوا يا بني غرض كتاب الله وقصده، يبذل كل امرئ منكم في طلبه جهده، ويفز منه بالحظ الأوفر، متى يظفر منه بالفوز الأكبر، فيستأنس به من الوحشات، ويكتفي بعلمه من القماشات، التي قمشها في الدين، فَضَلَّ بها عن اليقين. من رغب عنه إلى غيره، ولم يستنر منه بمنيره، فعَمِهَ في ضلالات المضلين غرقا متسكعا، إذا لم يكن بكتاب الله مكتفيا ولا عنه مستمعا، يستفيد الباطل من المبطلين ويفيده،] ويفيد الباطل [معرضا عن حق المحقين لا يطلبه ولا يريده، راضيا لنفسه بالهلكة من النجاة،] بديلاً عن النجاة [وبالموت الموصول بنكال الآخرة من الحياة،] بدلاً عن الحياة [يَعدُّ غيَّه وعماه بَعْدُ رشدا،].
على الرغم من أنه هكذا، فما زال يعد عماه وغيه رشداً [وضلالته عن الرشد هدى، قد زاد غيَّه وعماه، ما أسعده من دنياه، لما أسلمه الله لجريه إليه، بما أمده من ماله وبنيه،] وبعضهم قد يكون هذه مما يرى نفسه بأنه محق؛ لأنه رأى أموره سابرة هو مثلما يقول البعض: [لاحظ السعوديين لو ما هم على حق ما من أنعم الباري عليهم، ما من الكعبة عندهم!!] وكأن الكعبة لم تأت إلا من بعد ما جاء عبد العزيز، طرحها الباري هناك!.
[فاستدرجه به من الملأ، بالعافية من نوازل البلاء، كما قال تبارك وتعالى فيهم: {أَيَحْسِبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِيْنَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِيْ الخَيْرَاتِ بَلْ لاَ يَشْعُرُونَ، وَلاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِيْ لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِيْ لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِيْنٌ} [المؤمنون: 55 – 56].] عندما يروا حالتهم جيدة، معهم زراعات، ومعهم أبقار، وغنم وأشياء من هذه، ورأوا أنفسهم ما قد تعرضوا لشيء.
هذا هو عبارة عن مؤقت، إما لحالة تكون الضربة عليهم فيها أشد, استدراج، والاستدراج معناها يدهفك إلى حيث تكون الضربة عليك أشد.
[فغرض كتاب الله المبين، فإنما هو البيان واليقين.] مثلما تحدث عن مثل هنا في الصناعة أو في التجارة، [وقد تعلمون أن كل ذي صناعة] ضرورة فهم الغاية من الشيء، غرضه وقصده. [وقد تعلمون أن كل ذي صناعة، أو تجارة مما كانت أو بياعة، قد علم قبل ملابسته لها ودخوله فيها، ما قصدها وغرضها وما دعا أهلها إليها، كما قد رأيتم وأيقنتم من حال البنَّاء، الذي قد علم قبل دخوله فيما يريد أن غرض البناء، رفع السقوف والحيطان، وعقد العقود والطيقان.
وكذلك النجار فيما يريد بعمله من النجارة فقد علم قبل دخوله فيها أن غرضها عمل الكراسي والأبواب وكذلك مثلهما] أصحاب الحرف والمهن هذا يكون قد عارف بقصدها، وغرضها، يريد أن يؤكد أنه لا بد أن تكون فاهماً لهذه: بغرض القرآن الكريم وقصده.[في علم غرض ما يريد غيرهما، من التجارة والبياع، فهم في علم غرض التجارة والبيع وما يريدون فيه كالصُّنَّاع، قد علم كل تاجر، من بر أو فاجر، ما غرض بيعه وتجارته، علم الصانع بصناعته، وعلى قدر علم كل صانع، وتاجر منهم أو بائع، يجدُّ ويجتهد، ويسعى ويحتفد، فيقل فتوره، ويجل سروره. فلا يكونن أحد منهم فيما يزول عنه ويفنى، أجدّ منكم فيما يدوم أبدا ويبقى، ولا يدخله خسارة ولا نقصان،]
فإذا أنتم ترون التاجر مثابر, وترون الصانع يشتغل, ما يترك الورشة إلا.. والنجار، وهؤلاء كلهم, يجب أنتم أن تكونوا على هذا النحو, لا يكونوا هم أجدّ منكم فيما هو يفنى, أجد منكم فيما هو يبقى، [ولا يدخله خسارة ولا نقصان، ولا وضيعة ولا خيبة أبدا ولا حرمان،].
[فإن تُقَصِّروا في ذلك تكونوا أخسر فيما تعدونه من التجارة والصناعة خسرانا منهم،] إذا أنت ترى فلان قالوا تعرض لخسارة، فلان أفلس، فلان تعرض لكارثة في ماله, احترقت عليه ورشته، احترق مصنعه، وأشياء من هذه، أنت كذلك بالنسبة للقرآن الكريم، أنت أخسر منهم إذا لم تجدّ.
[فأن تقصروا في ذلك تكونوا أخسر فيما تعدونه خسراناً] في موضوع التجارة، والصناعة، [بعد ما فرق الله في ذلك بينكم وبينهم،]. هنا ذكر بأن من يسيرون على هداه هم المفلحون، هم الفائزون، هم الناجون، وكم قد تحدث في هذا الموضوع، يبين بأنه كله ربح, كله فلاح، وفوز، ونجاة, ليس فيه خسارة،.. وهذه قاعدة يجب أن نفهمها في الدين بكله: بأنه في الدين, التعامل مع الله لا يوجد خسارة على الإطلاق، لا يوجد خسارة نهائياً. عندما تنفق هو يعدك بأن يخلف عليك أكثر مما أعطيت، أليست هذه واحدة؟.
عندما تذكره، عندما تتعبد له بأي عبادة، يضاعف لك أجرها، أليس هذا شيء ملحوظ؟ عندما تضحي بنفسك، ما قد نفسك أغلى شيء؟ أيضاً ما يخليك خاسر معه، يجعلك حياً من جديد. أليس هذا شيء معروف بالنسبة للشهداء؟{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ}(آل عمران169) لماذا؟ لأنه بذل روحه. الله ما يريد أن يكون أحد خاسر معه، يعيد له روحه، ويكون مرتاح في حياة أفضل من الحياة التي فارقها, في فرح، ورزق، مثلما قال في الآية:{بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}(آل عمران170) هنا رزق، وفرح، واستبشار، بكل ما تعنيه الكلمة. ومن العجيب أن هذا الموضوع هو الموضوع الذي الناس يعتبرونه خسارة، الخسارة هو الخسارة هنا, يسجن أشخاص وقد الناس يقولون: [لاحظوا ذولا المغفلين المباليع كيف استجنوا!] وكل واحد ينتبه لابنه لا يدخل في الموضوع فيسجن معهم! ولا يلاحظ سجن الأمن المركزي في صنعاء، أو يلاحظ الإصلاحية في صعدة مليئة بالسجناء، ما يطلع في ذهنه بأنه، لماذا سجنوا؟ ثم يقول لأولاده: [بطلوا، رأيتوا, انتبه، لا جو أنت تسرق، أو تعتدي على أحد] لا أحد يقول هكذا، إلا في عمل الدين، يقول: [بطل أنابوك، مابترى ماذا عملوا؟ ماذا حصل عليهم] ثلاثين شخص يملؤا عينه، يملؤا نفسه, ولا يرى ربما خمسمائة شخص، أو ألف شخص، أو أكثر في سجون أخرى؛ لأن موضوع الدين, أن يقدم مائة في سبيل الله خسارة عندما يطلب منه مساعدة في عمل، يعتبرها خسارة، لكنه يسير ليبذل أضعافها رشوة طبيعي!.
هذا من الدبور علينا, ومن الخذلان في الناس: أن الخسارة هي كل عمل للدين، نحن نعتبرها خسارة! الأشياء الأخرى ما نبالي بها، لا نحسبها خسارة, ولا هي شيء! من الذي قد سمع شخصاًَ يقول: يا أولادي انتبهوا, انتبهوا, لاحظوا ذا عندكم السجن فيه ما يقرب من أربعين شخص سجنوا؛ لأنهم سرقوا، انتبهوا لا عاد تسرقوا، أو تعتدوا على أحد .. هل أحد يقول هكذا؟.
مع أنه يسمع أن هناك ألف سجين، ولا يطلع في ذهنه, لمّا يسجن أربعة خمسة من أجل عمل في سبيل الله، وجاو قد هو منتبه لأولاده, وللآخرين بطلوا، لاحظوا, وكأنه ما سجن إلا هؤلاء، وكأنه لا يوجد سجن في الدنيا إلا الذي فيه هؤلاء، لا يرى آلاف من الآخرين من الذين سجنوا على قضايا أخرى.
[فأعوذ بالله لي ولكم من الخسران المبين، فإنه عند الله هو الخسران في الدين،] الخسران المبين {أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(الزمر15) [وذلك فهو الخسران والضلال البعيد، الذي لا يخسره ــ بمنِّ الله وإحسانه ــ رشيد. فمنه يا بني أرشدكم الله فتحرزوا،] من هذه الخسارة الخسارة في الدين[وعنه بالله ما بقيتم فتعززوا، فإنه هو العز الأعز، والحرز الحصين الأحرز،] بالله [الذي لا يكون معه أبدا ضياع، ولا يخسر فيه تاجر.] هذا أيضاً يعود إلى القرآن الكريم.
[ولا يخسر فيه تاجر ولا صناع وفي ذلك، ولأولئك، ما يقول الله سبحانه: {وَأَنْفَقُوْا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّنْ تَبُورَ} [فاطر: 29]،] الله يسميها تجارة:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ}(الصف10) هنا يأتي حتى وفق ما هو متداول بين الناس، موضوع التجارة، والربح، والخسارة، يتحدث في القرآن. [فافهموا هداكم الله عن الله هذا البيان والنور. واعرفوا قوله، جل جلاله: {فِيْ بِيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرُ فِيْهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيْهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} [النور: 36 – 37]. واعلموا أن التجارة مشغلة وملهاة، لكل من آثر على دينه دنياه،]. لاحظ كيف العبارة هنا عبارة حكيمة: لمن آثر, ولمن يؤثر على دينه دنياه يصبح كل شيء ملهاة له، حتى [الفصفص, التي يسمونها: الزعقة] عندما يكون واحد معرض عن الدين، ما يوجد عنده اهتمام بالدين يصبح كل شيء ملهاة. [وبَخِلَ عن الله من الدنيا بما أعطاه، واقتصر لنفسه مما ينجيها، على رجاء المغفرة وتمنِّيها،] الله غفور رحيم.
[مقيما على المعاصي لا يزول عنها ولا يبرح، ظالما لنفسه لا يشفق عليها ولا ينصح، ولا يقبل من رشده وهداه، إلا ما وافق محبته وهواه،]. في الأخير عندما تريد تنصحه ما يقبل منك نصيحة إلا شيء هو يتناسب معه؛ ولهذا في الأخير هم يختارون هم، يقولون يكفي ما نريد خطبة في هذا الموضوع، هب لنا خطبة في كذا، أليسوا هكذا؟ يُمْلُوا على الخطيب أحياناً؟.
[عدوًّا لمن نصحه في الله، معرضا عمن دعاه إلى الله،]هكذا قد يصبح الإنسان [لم ينصفه مفترٍ عليه فيه بهَّآت، له جلبة بجهله وأصوات،] كأنه في قوله: عدواً، ومعرضاً, لم ينصف هذا الذي يعاديه، لكونه دعاه إلى الله، ونصحه, يصبح مفتريا عليه، وبهاتا له! هذه تحصل في الأخير يقول لك: هؤلاء ما بِلاّ معهم كذا كذا.. هؤلاء هم يشتوا كذا كذا.. أليسوا يقولون هكذا؟ يبهته، ويقدم أن معك أغراض أخرى، ويحاول تكون أغراض بالشكل الذي تشوهك..
[له جلبة بجهله وأصوات، يقول الباطل، ويتبع الجاهل، ليس له في نصح الناصحين حظ ولا نصيب، ولا له مع جهله من الصالحين ولي ولا حبيب، فهو كما قال صالح نبي الله ورسوله، صلوات الله عليه ورضوانه، إذ تولى عن قومه، عند نزول عذاب الله بهم ونقمه، {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَومِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 79]. وقوله: {فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيْعُونِ وَلاَ تُطِيْعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِْي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} [الشعراء: 150 – 151]. فأسرفُ الإسراف وأفسدُ الفساد؛ كل ما صد بأهله عن الهدى والرشاد.وأرشدُ الرشاد والهدى، وأقصده إلى كل خير قصدا، تنزيل الله ووحيه، وأمره فيه ونهيه، وهو يا بني: الذكر الحكيم، وفيه ما يقول الخبير العليم: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِن الآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 58].
وفيما خص الله به ذكره من الكرامة والتعظيم، ما يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيْرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيْلاً} [الأحزاب: 42]، فكفى بهذا لذكر الله سبحانه تعظيما وتجليلا، مع ما يكثر من هذا ومثله، في كتاب الله وتنزيله، قال الله سبحانه: {فِيْ بِيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرُ فِيْهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيْهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36]،]
تجد الحديث عن ذكر الله وعظمة ذكر الله كثيرا في القرآن جاءت [والتسبيح وإن كان من ذكر الله والإجلال، فأكثر الذكر وأجمله، وأكرم القول وأفضله، ذكر الله تعالى بما نزل من الكتاب،] تلاوته بتدبر هو ذكر لله، اختيار الأذكار وأنت تذكر الله بالأذكار التي وردت فيه، اختيار الأدعية بالأدعية التي وردت فيه.
بعض الناس يأتي يصلح له أدعية وتكون متنافية في الواقع مع ما قدم في القرآن، تكون متنافية تماماً. لاحظ كيف الأدعية في القرآن فيما يتعلق بحالات الصراع، بحالات الجهاد، تختلف عما يحصل من أدعية من عندنا ومما دُوِّن من أدعية.
[فبه يا بني فاذكروا رب الأرباب،] فبه, أي بالقرآن الكريم، وبما ذكر الله به نفسه في القرآن الكريم فاذكروا الله [فاذكروا رب الأرباب، فإن ذلك هو الذكر المقدم عند ذوي الألباب،]. تلاحظ في الآيات هذه مثل: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} والتسبيح، وأشياء من هذه في الأخير كلها يردوها إلى الصلاة، وكله بعد كلمة، سبحوا؛ لأنها أمر, والأمر يفيد الوجوب, والتسبيح ليس واجباً إلا في الصلاة، وردوها إلى الصلاة!.
الصلاة قد هي تلك مشروعة وفيها تسبيح، وفيها ذكر. مثلما عملوا في الإنصات للقرآن {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ}(الأعراف204) قالوا: استمعوا، وأنصتوا أمر يدل على الوجوب, في الأخير نقول: إذاً لا يوجد واجب هنا، إذاً هنا يبدو أنه ليس واجباً.. ما بِلاّ في الصلاة، وردوا كل شيء فيها.
هنا ذكر الله مطلوب، وواجب في أوقات, مطلوب يذكرون الله في القرآن الكريم، قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب، وبكرة، وأصيلاً،{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}(الروم17) هنا يأمر الناس بأن يذكروه , يذكروه في كل وقت، ما يمر وقت إلا ويذكروا الله فيه{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.
هل يوجد أحد يقول أنه يجب التسبيح بكرة، ويجب التسبيح في الأصيل، يعني في آخر النهار؟ ولهذا لعبوا بالنصوص بهذا الشكل، يردونها كلها إلى الصلاة، لا يتذكرون بأنه أحياناً ما يكون هناك صلاة في الوقت الذي يذكر فيه تسبيح ما هو وقت صلاة .. في نفس الوقت عندما يقول لك في القرآن الكريم: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ}ثم أرده إلى الصلاة، مع أن الصلاة ما بتكون واسعة بأن يقرأ فيها قرآن كثير.
وإذا قرئ القرآن: للتعليم, للهداية يجب أن تستمعوا، وتنصتوا، وكلها وراء القواعد هذه، يريد يرى المفردة هذه إذا هي فعل أمر إذا هي تدل على الوجوب, فيحاول يحولها هناك، يجمع الأوامر في [زوة] هناك يحاول كيف يقصيها. هذه هداية، بغض النظر عن كونه يجب أو ما يجب, هذا مطلب إلهي، وإرادة إلهية: أن الناس هكذا يعملون, يسبحوه بكرة وأصيلاً {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}(الطور49) أليس هكذا يقول؟.
هل هي أوقات صلوات؟{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}؟ يذكر هناك أوقات الصلوات, يذكرها, ألم يذكرها في آيات أخرى؟ {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} إذاًَ فهو مطلوب التسبيح لله، والذكر لله.
وأفضل الذكر كما يقول: هو القرآن الكريم، ومما ذكر الله به نفسه في القرآن الكريم، ومن الأذكار الجميلة: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) هذه من أحسن الأذكار، وهي كلها مأخوذة من القرآن الكريم (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) هي كلها مأخوذة من القرآن الكريم.
[فإن ذلك هو الذكر المقدم عند ذوي الألباب، ذكَّرني الله وإياكم منه بخير، ونفعكم بكتابه المنير، فإنه أفضل المنافع، وخيرها سلكا في المسامع، لما فيه من ذكر الله وعلمه، وما دلَّ عليه من أمره وحكمه. فمن أعظم الذكر لله والتذكير به، ذكره بما ذكر به نفسه من آياته وكتبه، فبتلاوة الكتاب فاذكروه، تُجلِّوا الكتاب وتوقروه،].
وهذه هي عبارة هامة جداً: أنه يجب على الإنسان أنه يحاول أن يصنع للقرآن في نفسيته قدسية وإجلال، وفي أسرته عند أولاده، وفي أهل بيته، ولطلابه، وللمجتمع، أن يعمل الناس على ترسيخ، وإجلال للقرآن، وتقديس للقرآن عند المسلمين.
قد يكون المعلمون بشكل خاص في المدارس، يجب أن يلاحظوا دائماً عندما يكون الطلاب يكتبوا في دفاتر، يكتبوا {بسم الله الرحمن الرحيم} ويكتبوا نصوصاً قرآنية، ثم تراها مبعثرة في أرضية الفصول، وفي حوش المدرسة، أنه يجب على واحد أنه يحاول دائماً يحسس الطلاب بأنها طريقة خطأ هذه، يجمعوها ويدفنوها، أو يجمعوها ويطرحوها بين خزان ماء، أو أي شيء، ولو النص القرآني من داخل الورقة.
عندما تكون أنت معلم تتابعهم بهذا الشكل، هو نفسه تعليم تحسسهم بأهمية القرآن، وقدسيته، لا تتركهم هكذا تكون أوراقهم مبعثرة في الطرق، وفي حوش المدرسة، يذكِِّر واحد الطلاب بهذا. وهذه قد يكون لها أثر سلبي بالنسبة للطلاب، وبالنسبة للمدرسة، وبالنسبة للناس؛ لأنه مظهر من مظاهر عدم الاكتراث بالقرآن الكريم، وكأنه كأي كلام آخر يداس ليست مشكلة!.
[تُجلِّوا الكتاب وتوقروه، ولا تكتفوا بتلاوة الكتاب مِن تدبُّره،] لازم تلاوة معها تدبر [ولا ترضوا من قراءته بِهَذِّه ونثره،] هكذا بسرعة [فإنه ذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تنثروا القرآن نثر الدقل)،] ومعناه قراءة القرآن هكذا بدون تأمل، بدون تدبر.
[فاقرأوه يا بني إذا قرأتموه بالتنزيل والترتيل] التنزيل، والترتيل، هي قد تكون القضية واحدة، أو أن تكون في قراءتك له، قراءة ما تقطع الآيات ما تبترها، وما يتقيد حتى بموضوع الدائرات, العشارات؛ لأنه قد يكون أحياناً ما بعدها هو استكمال لما قبلها، ربما يقصد هكذا قوله: بالتنزيل. والترتيل، معناه: التأني.
[وتفهموا بالإطالة له والترتل والترسل،] الإطالة له، ليس معناها المدودات، وأشياء من هذه، معناها التأني، فيبدو وكأنه طويل، يبدو أنه إذا كان بالإمكان أخلص المصحف في ثلاثة أيام، قد ما أخلص المصحف إلا في شهر. فهذا أفضل, أكون أدرس المصحف في شهر رمضان بتأمل، وترتيل، وتدبر، أفضل مِن تقرأ خمسة, ستة مصاحف.
[والترسل، وعندما ذكره الله سبحانه من ناشئة الليل،] يشير إلى الأوقات التي يكون الذكر فيها, والتلاوة يكون لها أثر أكثر بالنسبة للإنسان. [ففي ذلك ما يقول تعالى لرسوله، صلى الله عليه وآله: {وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيْلاً، إِنَّ نَاشِئَةَ الَّليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً، إِنَّ لَكَ فِيْ النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيْلاً} [المزمل: 4 – 7]، يقول سبحانه: إن لك في النهار مهلا وتمهيلا،] ناشئة الليل كأنها أول الليل، يكون واحد في وقت صفاء ذهنية، ووقت فراغ، وفي نفس الوقت ما قد هو قريب أن يكون فيه نوم, يأتيه النوم.
[فكفى بما وصفت لكم بهذا بيانا ودليلا، فالحمد لله وَلِيُّ المن به وبغيره من الإحسان، ونسأل الله العون على ما نزل في وحي كتابه من البيان، واعلموا يا بني: أن في كتاب الله جل جلاله، حرام الله كله وحلاله، فليس لأحد تحليل ولا تحريم إلا به، فمن أبى ذلك فهو من الجاهلين بربه،]. هنا يقول الإمام الهادي: بان فيه أصل كل شيء، حتى في موضوع التحريم، والتحليل، كلها لها أصول في القرآن الكريم، ما هو صحيح، فأصله في القرآن الكريم, وفيه الحرام كله، وفيه الحلال كله، وقد يكون مثلاً بعضه بصورة غير مباشرة.
إذا قلنا مثلاً عدد الركعات في الصلاة ليست مذكورة في القرآن مثلاً عددها، عدد الركعات في الصلاة الفلانية، أليس القرآن يهدي إلى إتباع رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ ورسوله هو جاء بالصلاة على هذا النحو، هو نفسه امتداد لهداية القرآن، وربما رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قد يفهم فيما يتعلق بعدد الركعات، وتناسقها من خلال القرآن نفسه.
مثلما ذكر الإمام القاسم في موضوع عدد الصلوات أنها خمس، استخرجها من آية: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}(البقرة238) الصلوات, والصلاة الوسطى قال: هذه تدل على أن الصلوات خمس؛ لأن ما هناك وسطى بين صلوات، قد أقل رقم إلى ماذا؟ إلى خمسة, ثنتين، وثنتين، وواحدة.
وأصل الصلاة ليست عبادة مجهولة، الصلاة في الديانات كلها، ليست عبادة مجهولة تماماً، موضوع ركوع، وسجود، وقيام هي معروفة عند الناس من قبل، معروفة أنها عبادة، معروف أن الصلاة عبادة، كانوا يعرفون في الجاهلية أن الصلاة عبادة, هم يشاهدون أهل الكتاب يتعبدون، ومعروفة في الديانات السابقة: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }(مريم31) ويعرفون الزكاة أيضاًَ.
ولقوله سبحانه في تنزيله، بعد ما ذكر فيه من تحريمه وتحليله: {اليَومُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِيْ وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيْنًا} [المائدة: 3]، وكفى بهذا على ما قلنا به فيه علما وتبيينا.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
السيد حسين بدرالدين الحوثي ( رضوان الله عليه )
شبكة المسيرة الإعلامية، شبكة يمنية متنوعة تسعى لنشر الوعي وقيم الحق والعدالة بين مختلف شرائح المجتمعات العربية والإسلامية من منطلق الثقافة القرآنية، وتعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، وتعمل على نصرة قضايا المستضعفين، ومواجهة تزييف وسائل إعلام قوى الاستكبار وكشف مؤامرتها بمصداقية ومهنية وبطرق إبداعية.
copyright by Almasirah 2023 ©