شبكة المسيرة الإعلامية، شبكة يمنية متنوعة تسعى لنشر الوعي وقيم الحق والعدالة بين مختلف شرائح المجتمعات العربية والإسلامية من منطلق الثقافة القرآنية، وتعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، وتعمل على نصرة قضايا المستضعفين، ومواجهة تزييف وسائل إعلام قوى الاستكبار وكشف مؤامرتها بمصداقية ومهنية وبطرق إبداعية.
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 2 /6/2003م
اليمن – صعدة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
يقول الإمام القاسم (عليه السلام): [الحمد لله الذي جعل الهدى فيما نزل من كتابه مكمَّلاً، ونزل برحمته للعباد منه بياناً كريماً مفصَّلاً، فيه لمن استغنى به أغنى الغِنى، ولمن اجتنى ثمرات هداه أكرم مجتنى، لا يجتَوي عن جناه أبداً مجتوٍ، ولا يَدْوَى مع شفائه أبداً مُدْوٍ، نور أعين القلوب المبصرة، وحياة ألباب النفوس المطهرة، إلف فكر كل حكيم، وسكن نفس كل كريم، وقصص الأنباء الصادقة، ونبأ الأمثال المتحققة، ويقين شكوك حيرة أولي الألباب،] بديل عن الشكوك والحيرة لـ[أولى الألباب] ما هي الألباب؟ يفسرونها بالعقول! ليست العقول.
كلما وردت كلمة عقل في كتاب للإمام القاسم, أو الهادي هو يكون بالمعنى المصدري, عََقََلَ, يَعقِل, عَقلاً. العقل: أي العملية, عملية التعقل, أي الضبط, عملية الضبط. وقد صرح الإمام الهادي في إحدى رسائله في [المجموعة الفاخرة] بالنسبة للقلب أنه هو الآلية للتعقل, والفقه. القلب هو الآلية, وهي صريحة في القرآن مثل:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}(الحج46) في آية أخرى:{لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}(الأعراف179).
يجب أن يكون عند واحد فكرة أنه أي شطحة, أي شطحة يكون تداعياتها طويلة, يكون لها آثار كبيرة, مثل الأشياء هذه, أيّ مفهوم خطأ لا تقدر أنها مسألة واحدة تقف عند نفسها, يأتي بعدها غلطات تتفرع عنها.
كم تفرع من أخطاء رهيبة بسبب العدول عن أن القلب هو الآلية للتعقل, والفقه, هو الآلة, أخطاء كبيرة جداً عندما حصل تصور أن هناك مخلوق آخر, مخلوق آخر, له وجوده ذاتياً وله كيانه, وهو العقل, يسمونه العقل, والقلب إنما هو عبارة عن محل والعقل هو في داخل القلب, وحالّ في القلب, أخطاء كبيرة ترتبت على هذه.
[نور أعين القلوب المبصرة] هنا يتحدث عن القلوب, والقرآن الكريم يتحدث عن القلوب{لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ}(ق37){فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(الحج46) {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم}(المطففين14){قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}(الحج46) {قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}(الأعراف179) وهكذا.. ولا يوجد كلمة واحدة في القرآن الكريم عَقل أو عُقول على الإطلاق. هي العملية, الفعل تعقلون, يعقلون. تعقل, أي تفقه, وتمسك على ما تعقل, ما فقهته, تمسك وتعقل ما فقهته.
فالذي يعقل هو من؟ هو الإنسان نفسه, هو الذي يعقل, هو الذي يبصر, هو الذي يسمع, الإنسان, النفس؛ ولهذا نسب اليقين إلى النفس{وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}(النمل14).
تجد هذا من آثار, من آثار اللاشعورية عندما تجد الناس يقرؤون القرآن, يقرؤون ويدرسون على طول, واحترام للقرآن.. في النقطة هذه, في مسألة: عقل أو ما عقل, تجدهم يقرؤونه! وعندهم اعتقاد أن العقل هو: عرضٌ محله القلب, أي أن العقل هو كائن آخر غير القلب, غير الروح, غير النفس, غير الجسد, مخلوق آخر, لكن محله في القلب!.
قد هي في الذهن هكذا ويدرسون, ويمرون بحوالي ست عشر آية تأكيداً للموضوع أنه موضوع قلب, قلب{لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ}(ق37) ولا يمكن تأتي ستة عشر آية تتحدث عن القلب, والقلب إنما هو فقط وعاء, إنما هو فقط العَطَل والعقل جالس فيه.
[قال أحد الحاضرين: أنهم يقولون أن الآيات عندما تتحدث عن القلب فذلك أسلوب مجازي.]
فقال: لا يكون المجاز هكذا تلقائياً, المجاز يكون له علاقة مناسبة بين المعنى الحقيقي, والمعنى المجازي, ما يكون مجاز على طول, على طول, وعندما يتحدث غير ممكن أن يتحدث دائماً عن الوعاء, ولا يتحدث عن الأصل.
ألم يجعلوا هناك أن الإنسان لديه عقل وهو الأصل؟ والخطاب موجه إليه, والإدراكات كلها منه, وهو كل شيء؟ ولم نر له أثراً على الإطلاق, ولا كلمة واحدة فيه, يوجه الخطاب إليه! إما يقول لأولي العقول, أو لمن كان له عقل, أو… أليس المفروض هكذا؟ إن في ذلك لذكرى لمن كان له عقل, وليس لمن كان له قلب, لا يصح أن يكون مجازاً هكذا في أكثر من ستة عشر آية مجاز, مجاز. ما هو الشيء الذي يخلي واحد ما عاد ينتبه لآيات كثيرة؟ هو هذا, قد عرف من خلال كتاب معين, أن المسألة هكذا, وما عاد ينتبه, يدرس ولا يعد ينتبه.
فالإنسان الإنسان هو هو النفس, نفسه, هو هو يعقل, هو يفقه بواسطة القلب, ويبصر بواسطة العين, ويسمع بواسطة الأذن.
هذا لما تصوروا بأن كل إنسان معه عقل, معه جهاز يفرز حق وباطل وخطأ وصواب هكذا من نفسه, كل واحد معه جهاز عند اللزوم الجهاز سيفرز! لا, إن الإنسان يفهم بأنه مخلوق قابل لأن يهدى, وقابل لأن يضل, لا يقدِّر بأن معه جهاز يفرز, معه جهاز تلقائي, يفرز تلقائياً, حق وباطل, وخطأ وصواب.
أليس أكثر أهل الدنيا على باطل وضلال؟ لماذا أما أجهزتهم هذه ما تشتغل؟ أم أن معهم أجهزة مركبة أجهزة تايوان!…. إذا فهم الإنسان بأنه مخلوق على هذا النحو: قابل لأن يهدى, وقابل لأن يضل, إذا كان يرى بأنه أشياء واضحة من الضلال يمكن أن يفهمها, فهناك أشياء كثيرة وواسعة من الضلال ما يدري بها.
كذلك جانب الهدى إذا كان عنده هذا الفهم بأنه قابل أن يهدى, وقابل أن يضل, وأن مصدر الهدى هو واحد فقط, الذي يأمرنا أن ندعوه كل يوم,{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}(الفاتحة6) {إهدنا}{إهدنا} على هذا سيكون حريصاً .. وإذا عندك الشعور هذا فهو هو مفتاح الهدى وهو الأساس.
إذا عندك شعور بأن الهدى هو من الله, والهدى يأتي عن الله, ومن طريق الله, وعلى صراط الله, وأن ما هناك أي شيء آخر ممكن يوفر لك هدى فستظل مرتبطاً بالله… إذا عندك فهم بأن عندك آلية معينة هي تفرز حق وباطل, وخطأ وصواب, فستكون مفصول عن الله, عندك أنك أنت تشتغل وتغربل وستعرف الأمور تلقائياً. إذاً فهي قضية هامة في القرآن الكريم: التأكيد على أن يبقى الإنسان دائماً مسيطر على شعوره حاجته المطلقة إلى الله{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّه}(فاطر15) فقراء في كل مجال, في كل شيء.
الهدى, الناس بحاجة إلى الهدى ومصدره الله, كما أن الرزق الناس بحاجة إلى الرزق ومصدره الله, وهكذا.. فيكون الإنسان حريصاً على أن يفهم, يكون حريصاً على أن يعرف في موضوع الهدى أن مصدره الله, وكيف الطريقة التي جعلها الله للهدى وللهداية.
وما غرق الناس إلا عندما انفصلوا عن الله, غرقوا في الضلال؛ لأنه سار هناك لوحده, كل شخص[بيطنن لوحده]؛ لأن عنده أنه هو يستطيع, مثلما يقول البعض: اطَّلِع يا أخي, أليس هو يقول هكذا؟ اطَّلِع قد خلق الله لك عقل؟ ما هو يقول هكذا؟ اطَّلِع واقرأ, وستعرف أنت خطأ وصواباً, وحقاً وباطلاً من نفسك ما تحتاج أي أحد.. هذه العبارات هي من أضل الضلال, العبارات هذه.
عندما ترجع إلى القرآن الكريم تجد الكبار, الشخصيات الكبيرة جداً, الأنبياء أنفسهم لا يوجد عندهم الفكرة هذه, ذهنه مسيطر عليه, مستَغرق, ذائب في الله, مستغرق في{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طه114) يبرز الواحد منا ولم يعد النبي شيئاً عنده! لم يعد النبي ولا مثل رأس أصبعه!… هنا يقول: لهذا الشخص الكبير (صلوات الله عليه وعلى آله):{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طه114) أليس هكذا؟ وهؤلاء يقولون: لا, أنت, أنت اقرأ, اقرأ واطَّلِع على الأشياء كلها وأنت ستعرف, وأنت ستطلع شخصية هامة, وأشياء من هذه.. لا, هذه كلها خطأ.
مصدر الهدى هو الله, ورسم طريقة لكيف يهتدي الناس بهداه, وكيف يتعاملون معه, ولا بد أن يكون مسيطراً على المشاعر هو, تكون مشاعرك مرتبطة به, وتفهم الطريقة, وتُعبِّد نفسك له, وتُسلِّم نفسك له, وتسير على الطريقة التي جعلها توصلك إلى الهدى, وتعرف كيف أسباب الهدى منه.
ولهذا ترى الناس لا يعودوا يتقابضوا لبعضهم بعض, من هذه الفكرة, كل واحد يقول: يا خي قد خلق الله لك عقل! وهكذا, ما عاد أحد يتقابض لأحد, وكل واحد قد هو فاهم أنه قادر يعرف يستطيع أن يعوم الدنيا هذه كلها, ويعرف خطأ وصواب, وفي الأخير تراه في ضلال.
لو أن المسألة هكذا: أن الله خلق للإنسان جهازاً يعرف حقاً وباطلاً, ويفرز خطأ وصواباً هكذا تلقائياً! لورد سؤال كبير على الله حول هذه الأجهزة التي وزعها على عباده, لماذا أكثر عباده ضالين ومختلفين؟ هل الأجهزة حقهم هذه لماذا؟ هل فيها خلل؟ أو أنه ركب لهم أجهزة متباينة, ماركات متعددة, طلعت آراؤهم متباينة, وطلعت آراؤهم مختلفة؟.
لا يوجد.. أنت الله خلق لك نفس, نفسك, روحك, أنت, ما كل واحد داري أن معه نفس؟ هذا هو أنت, أنت قابل لأن تُهدى, وقابل لأن تضل, قضية ما فيها شك, إذا لم تعرف كيف تهدى, وأين مصدر الهداية, فستضل, وقابل لأن تضل بقناعة, يمكن هذا{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}(الزخرف37).
وأكثر أهل الدنيا هكذا؛ لأن ما هو معقول أساساً أن يكون كل البشر هكذا: يمشي على باطل وهو متأكد أنه على باطل, يمشي في ضلال وخطأ وهو متأكد أنه في ضلال, ويعيش عمره كله في الشعور هذا! أليس هذا بعيد؟ بعيد هذا, لا, يكون هناك نوعية من الناس بهذا الشكل, قليل, ويكونون عدداً محدوداً الذين هم من هذه النوعية, يعرف أنه على باطل, يعرف أنه على ضلال, يعرف أنه على خطأ, يعرف أن مصير ما هو عليه سيئ, ثم يصر على ذلك.
قليل من خلق الله بهذا الشكل, الأكثرية الساحقة يُقَدم لهم الباطل منمق, مزخرف, مفلسف, أليس هكذا يعملون؟ وأول عملية عملها إبليس, أول عملية في الإضلال هي هذه {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى}(طه120) ألم يقل هكذا لآدم؟ ألم يقدمه بشكل مغري؟{فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ}(الأعراف22) على الطريقة هذه طريقة الضلال تكون على هذا النحو, فيضلل عباد الله بشكل واسع, بطريقة يفلسف لهم الضلال فيقدم حرية, يقدم أشياء من هذه العناوين التي يعملونها, فيقتنع بأنه سابر.
فلا بد أن يكون كل إنسان فاهم مهما كان, كبر أو صغر, مهما كان ذكاؤه, مهما كانت عبقريته, لا يمكن أنك تتصور أنك أنت شخصياً شخصياً يمكن أن تصلِّح نفسك, وتعرف حقاً وباطلاً, وخطأ وصواباً, وهدىً وضلالاً من جهة نفسك, أنت لازم يكون عندك ارتباط بالله, هو الذي يهدي, فتسير على هداه, وستعرف أنك على هداه, عندما تسير على هدى الله ستعرف أنك على هداه, وتعرف الضلال كيف هو, ومن أين يأتي الضلال, فتتوسع معارفك بشكل كبير في هذا المجال, عندما يسير الإنسان على هدي الله, ويظل دائماً مرتبطاً بالله, مرتبطاً بالله.
إذا واحد بتعجبه نفسه, وعنده أنْ قد هو عبقري, فيرجع إلى أنبياء الله, بالتأكيد أي واحد منا لا يمكن أن يرى نفسه عبقريته كعبقرية نبي من الأنبياء, ولا ذكاؤه كذكاء نبي من الأنبياء. ترجع إليهم من القرآن الكريم يقدمهم, يشخصهم لك في مشاعرهم أنهم ناس ذائبين في الله, حتى على مستوى العلم ما يكون عنده أنه هو .. {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طه114) هكذا, هو يتحدث عن الكثير من أنبيائه, مما يؤكد لك هذه القضية, ما بيكون عندهم أنت عبقري وما عاد تحتاج لأحد! الباري هو الذي يهدي, ويفتح أبواب الهداية, ثم فيما بعد تفكر وتتفهم, وترى الأشياء واسعة جداً, ومعارف واسعة جداً, ومع هذه لا تصل في حياتك إلى شعور بأنك قد أصبحت [طَبَقَه] ـ مثلما يقولون ـ أبداً.
هذه قضية بالنسبة للعبودية لله, وبالنسبة للمعارف {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طه114) دائماً؛ لأنه {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}(يوسف76){وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}(الإسراء85) تجلس دائماً متعلم,دائماً طالب علم من مصدره, من الله, وتعتبر نفسك أنك ما تزال قاصراً, ما تزال محتاجاً دائماً, دائماً, لا يصل واحد إلى درجة يقول لنفسه يكفي أنا لم أعد محتاجاً.
هذه المشاعر هي التي تضرب الناس, المشاعر السيئة هذه, عنده أنه قد قرأ كذا وقرأ كذا.. يكفي! يعتبر نفسه يسير ولا يعد محتاجاً لأحد, إنما فقط يوجه عباداته لله فقط ليعمل له ثواباً عليها؛ وإلا أما نفس مشاعره فعنده أنه قد أصبح غير محتاج لأحد.
نلمس هذه من الإمام القاسم نفسه عندما يتحدث عن القرآن, مع أنه من عباقرة أهل البيت الكبار, الإمام القاسم بن إبراهيم وتجد أنه ينظر إلى القرآن بهذا الشكل: ذهنيته هكذا, ذهنيته متجهة إلى الله.
إذاً فالقرآن [إلْفُ فكر كل حكيم] تألفه نفسك, يألفه فكرك, مرتبط به, إلفَيْن, يعني: مرتبطين ببعضهم بعض, هو مرتبط به, ويألفه, [وسكن نفس كل كريم] تسكن إليه نفسك, تطمئن إليه. [وقصص الأنباء الصادقة ونبأ الأمثال المتحققة] أمثال واقعية, لا يأتي بقصص خيالية, مثل ما يأتي الآن..! هي فكرة في التثقيف للمجتمع عن طريق القصص, والقصص يكون معظمه قصص خيالية, لو تتابع الكُتَّاب, وكُتَّاب القصص يفترض قصة خيالية على أساس يعالج مشكلة اجتماعية وأشياء من هذه. القرآن عنده أمثال وقصص واقعية.
[ويقين شكوك حيرة أولى الألباب] ما يبقى شكوك, ولا يبقى حيرة نهائياً, وهذا من أهم الفوائد. إذا واحد يقرأ منهجاً معيناً, وهو دائماً ملان شكوك, وملان إشكالات ما تحتل, ما تحتل نهائياً, اجلس ولو مائتين سنة لن تحتل, جيلاً بعد جيل لن تحتل إنما كل واحد يمشي عليها ويا الله.
هذا خطأ, القرآن الكريم في منهجه, في هداه, هو بالشكل الذي يعطيك يقيناً, يقينيات, تطمئن إليها النفس, ما يبقى حيرة, ولا يبقى شكوك, وهذا له أثر كبير في الثقة بالطريقة, في الثقة بالنفس, يعني يعطي لك ثقلاً, ويعطيك ثقة بنفسك. الإنسان إذا عنده منهج مهزوز, ملان إشكالات يكون ضعيفاً, أليس ضعيفاً في واقعه؟ يدخل في حوار معين, يدخل في مناظرة معينة تمر به ضعيفاً, حتى وهو في نظرته للحياة, يبقى مهزوزاً.
والقرآن الكريم هو يعطي طمأنينة, يجعلك واثقاً, واثقاً من الطريقة التي أنت عليها, واثقاً ليس فقط مثلما تقول: يفرض لها وثوقاً, وثوق حقيقي, تثق بهذه الطريقة, فتكون مطمئناً, ما تخاف أن هناك شيئاً ممكن يغلب ما لديك أبداً.
[وخير ما صحب من الأصحاب] خير صاحب [سر أسرار الحكمة, ومفتاح كل نجاة ورحمة, قول ارحم الراحمين] وهذا شيء مهم, في أنك دائماً تستشعر وأنت تقرأ القرآن, أو تسمع حديثاً عن القرآن ,أو أحد يتحدث معك عن القرآن, والقرآن ما هو؟ القرآن هو قول الله, هو كلام الله.
هذه قضية هامة, حتى عندما تكون تقرؤه استشعر أنك تقرأ ماذا؟ كلام الله, يمكن تطلع فوق السطح ترى مظاهر خلق الله, فتعرف أن الله الذي خلق السماوات والأرض, وخلق هذه الأشياء كلها, هذا كلامه. في الأخير ترى أنه شيء كبير جداً, ونعمة كبيرة جداً أن تكون أنت تقرأ كلام الله, وتسمع كلام الله, ويكون لهداه أثر في نفسك. ما تكون أنت تقرأ المصحف مثلما تقرأ أي كتاب آخر, وكأنه كتاب ماله علاقة بصاحبه, تأمل ممن هو هذا القرآن الكريم, هو كلام الله, هو من الله, نزله الله, هو وحي الله, الله الذي خلقنا وخلق السماوات والأرض وما فيهما.
[قول أرحم الراحمين، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، فأي مُنزِّل سبحانه ونازل وتنزيل،] المنزل: الله, والنازل: جبريل, والتنزيل: القرآن الكريم. [لقد جل سبحانه وتنزيله عن كل تمثيل،] فقد جل سبحانه, وتنزيل عندما يقول: نزل به, نزلناه. [عن كل تمثيل، وطهر وتقدس – إذ وَلِيَه بنفسه، ونزل به روح قدسه – عن قذف الشياطين وأكاذيبها، وافتراء مردة الآدميين وألاعيبها،] وهذه هي نفسها قضية ركز عليها القرآن بشكل كبير, خلق طمأنينة فيما يتعلق بتنزيله, عملية تنزيله.
يطمئن البشر بأنه لم يحصل تدخل من أي أطراف شيطانية على الإطلاق {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}(الشعراء212ا) نفس الشياطين هم غير متناولين له, ما يمكن هذا, شيطان يقدم توجيهات من هذه, ما يمكن{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}(الشعراء212ا). هو نفسه القرآن الكريم هو يشهد بأنه ما يمكن؛ لأنه لا يوجد شياطين يصلحوا كذا, مِن يعتبروا ملائكة مقدسين, لو هم هكذا, يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويدعو إلى الخير, وتوجيهات عظيمة, أخلاق عالية, تسمو بالنفوس, تزكية للنفوس, هل هذا عمل شياطين! أو أن عملهم عكس؟ عملهم نهي عن المعروف! أمر بالمنكر! إفساد, تحطيم للنفوس, تدنيس للنفوس.
تتكرر في القرآن الكريم كثيراً هذه:{إِنَّا نَحْنُ}{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً}(الإنسان23) أليست هذه طمأنينة في الوسط؟ عمليتين.{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الشعراء192) أيمان داخله, تأكيدات, وشرح للوسيلة, {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}(الشعراء195) قد يكون بعض الوحي يسمعه, ينزل بآية يقرؤها عليه كذا, ويسمعه, وقد يكون وحياً مباشراً إلى قلبه وأعماقه.
[هنا ورد مداخلة حول أن هذه الآية:{عَلَى قَلْبِك} تدعم موضوع التعقل بالقلب.]
فقال: لا يوجد شيء آخر غير القلب, حتى عند العرب ما كان معروفاً شيء اسمه عقل, عند العرب أنفسهم الجاهليين, تقرأ الشعر يتحدث عن قلب لا يوجد عقل, عقل, إذا حصل مثل هذه العبارة تكون أنت تلمسها بالمعنى المصدري (اعقل عني),(يا كميل اعقل عني ما أقول لك)… تأتي كثيراً استخدام العرب عبارات: اعقل عني. كلها آليات, الإنسان هو ماذا؟ هو نفسه؛ ولهذا الخطاب يوجه للإنسان نفسه, وبقية الأشياء هي آليات: حافظة, وأشياء من هذه, حوافظ, أرشيفات, ملفات.
عندما يفكر أحدنا ماذا يعمل؟ أليس هو يقلب ملفات داخل؟ ثم إنه أحياناً إذا هناك مفهوم مغلوط, يأتي واحد يحسبه على الدين, ثم يأتي العلم يكشف خطأه. هذا يكون خللاً كبيراً, أليس هذا خللاً كبيراً؟ لكن هذا إذا أنت تأخذ معلوماتك, معتقداتك من خلال أشياء من خارج القرآن, ستقع في إحراجات, وتقع في أخطأ كثيرة. الآن هم يغيرون القلب بقلب, ويشتغل بنفس الطريقة وما هناك مشكلة.
لاحظ القرآن نفسه, حتى في هذه المسألة, هو يكون بالشكل الذي يوحي بأن القلب عبارة عن آلية, وليس فقط قلبك, قلبك الموجود هو وحده الآلية يمكن حتى قلب آخر من نفس الجنس {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ}(ق37) {قلوب} معظمها تأتي بالتنكير, التنكير هذا يدل على الشياع, لا يدل على التخصيص, على الاختصاص. قال:{لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ}, قلوب, أعين, هذه كلها توحي أنه ربما الأعين يمكن تغييرها, وتكون قابلة بأن يركب للإنسان عين شخص آخر وتشتغل إذا تطور العلم إلى هذا.
أما إذا معك عقل, وهو في القلب هذا ومرض وأبعدوه, ركبوا لك قلب واحد آخر وعقله, كيف سيعمل واحد؟ ستختلط الأمور!! قالوا: أنهم يركبون للشخص قلباً, ويلاحظون أنه لا تتغير مشاعره, ولا معلوماته, فلو كان هناك عقل محله القلب كما يقولون فإما أن نقول: أن القلب ذلك قد راح, نكع, خلاص, تصبح صفراً, ما هناك عقل نهائياً, وإذا افترضنا أن العقل هو عرض ومحله القلب, فهم يقولون: بأن الأعراض غير قابله للانتقال, العرض لا ينتقل, فبمجرد ما يزول قلب واحد عقله فيه, فإذا أزالوا قلب واحد وعقله فيه لا يعد عنده إدراكات, لا يعد عنده معلومات, قد هو صفر, يركبون لك قلب آخر, وعقل صاحبه فيه, والعقل بيعتبروه هو أيضاً محل الإدراكات والمعرفة هو, يعتبرون العقل هذا نفسه كل الإدراكات فيه, والمعارف كلها فيه, ما تدري ومعلومات ذاك عندك ومعلوماتك عند ذاك!.
[فأُحكم عن خطل الوهن والتداحض، وأُكِرم عن زلل الاختلاف والتناقض،] إذاً من يسيرون على القرآن وهو كطريقة مرسومة, كهدى مرسوم, لا يمكن أن يتطرق إليه على الإطلاق, لا ضعف, ولا وهن, ولا باطل ولا شيء, من يتثقفون به, من يسيرون على هديه فعلاً, من يسيرون على هديه, لا يوجد للباطل مدخل بالنسبة لهم, ما يجد الباطل له مكاناً نهائياً. بينما أشياء أخرى هي تجلس محط إشكالات, عندما تأتي تقرأ في كتب علم الكلام يطلع عندك مشاكل, تقرأ أصول الفقه يطلع عندك تساؤلات, ومشاكل كثيرة ما تحتل, وترى نفسك ضعيفاً.
[فجُعل بآياته مترافداً،] يرفد بعضه بعض [وبضياء بيناته متشاهداً،] وهكذا أيضاً تجد بالنسبة للحياة, أحداث الحياة أليست هي تشهد للقرآن؟ تشهد له. طيب أنت عندما تكون ثقافتك ثقافة القرآن, هديك هدي القرآن, يصبح كل شيء في الدنيا يعطيك معلومات, ويطمئنك على ما أنت عليه, ويشهد لما أنت عليه؛ فإذا أصبح القرآن داخلك, أصبح ماذا؟ كل شيء يشهد للحق الذي أنت تحمله, كل شيء.. الباطل لم يعد له منفذ, لم يعد هناك إمكانية بأن يضلك أحد إلا بعلمك أنت, وبهوايتك أنت, تمرد, وعناد, وقد تكون بعيدة على إنسان تكون بداياته صحيحة.
أخطر شيء على الإنسان هو عندما يكون غارقاً في ذاتيته, في نفسيته, هذه هي المشكلة الكبيرة, مثلما إبليس, أخذ يتعبد, ومعارف, وأشياء من هذه, وفي مقام هناك مع الملائكة لكنه شخص غارق في ذاتيته! كل سنة, كل سنتين, وكل قرن وهو يلتفت إلى نفسه, وهذه هي التي جعلته في الأخير يسقط.
لكن الإنسان إذا بداياته صحيحة, ونفسه هو يثبِّت نفسه بأنه هكذا, ما هناك مجال لأن يغرق في ذاتيته, يفهم واحد بأن الباري لا يأتي [يخلطفٍ] لأوليائه أبداً, أذا أنت تسير على طريقة صحيحة عشرات السنين بحيث أنه لم يبق بينك وبين الجنة؛[إلا شبراً أو ذراعاً] مثلما في ذاك الحديث, وفي الأخير يمكر لك , ويخلطف لك ليدخلك جهنم هذا غير صحيح!.
يأتي تثبيت إلهي, تثبيت متواصل, لكن إذا فيك خلل, إذا كان يوجد عندك بذرة خلل لا بد ما تكبر, وفي الأخير تغرق في الضلال؛ لهذا ربطت الأشياء هذه كلها أن الله يقول للناس هم يسلِّموا أنفسهم إليه, وما لهم دخل من نفوسهم, هو سيجعل في دينه رفعة لهم, عظمة لهم, مجداً لهم, سمواً لهم. هي بهذه الطريقة, مثلما حصل في القرآن بالنسبة للنبي نفسه (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه من الآيات العجيبة في سورة: {إذا جاء نصر الله والفتح}, وتكلمنا كثيراً حولها, في الوقت الذي هو يحصل لأي إنسان, عمل إنجازات من ذلك النوع, يلتفت إلى نفسه, ويرى نفسه كبيراً! أليست هذه قد تحصل؟ يسحب ذهنيته يقول: لا, {فسبح بحمد ربك}, أليس هكذا؟ في لحظة الإنجازات الكبيرة هذه اغرق في ماذا؟ في تقديسك لله, إنس نفسك نهائياً, واعرف بأنك ما تزال قاصراً ومقصراً, {واستغفره إنه كان توابا}استغفره, ترجو توبته. أليست هذه عبرة كبيرة جداً؟.
في نفس الوقت هل الله يأتي يضرب الإنسان لا يَكْبُر؟ لا, يأتي هو من الجانب الآخر يقول:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}(الشرح4) ألم يرفع له ذكره؟ يقرن اسمه باسمه في الأذان, يقرن اسمه باسمه في الشهادة بالوحدانية, في التشهد للصلاة, أليس هذا حاصل؟.
هو لا يقول: لا نريد أن يكون لك رفعة. يقول هو:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}(الزخرف44) لكن أن تأتي أنت, أنت تريد تبني نفسك ـ مثلما نقول نحن ـ يريد واحد هو, هو, هو غارق في ذاتيته, ما هو طالع على الإطلاق, سيحبط, وينحط, مهما رأى نفسه كبيراً, ويغرق في الضلال؛ ولهذا جعل الله القضية أكبر من أن تلتفت إلى ذاتيتك, إلى نفسك, نفس حمل المسئولية, حمل المسئولية هي جعلها بالشكل الذي تكون أكبر منك.
وهذه قضية ملحوظة؛ ولهذا نقول: إنْ ما هناك قضية إلا ولها شواهد, لاحظ إذا واحد حصل له مشكله أكبر من طاقاته, وأكبر من نفسيته, إذا دخل في شريعة مع أحد, الناس بهذا الشكل قد الموضوع مسيطر على ذهنيته, ما هو قد بينسى نفسه؟ أحياناً قد يقوم من فوق الأكل ما قد شبع, ما درى! أحياناً يصلي الظهر ست ركعات, أو يصلي العشاء ركعتين, أو ثلاث ركعات, أحياناً ينسى أي حاجة.. قضية ملحوظة هذه؛ لأن هناك قضية سيطرت على ذهنيته جعلته ينسى تقريباً ذاتيته, تفكيره فيه وهو يصلي, وهو يأكل, وهو يسير, وهو جالس, وهو قائم, يكون كل تفكيره فيها.
هذه واحدة, إذا ما عند الناس حمل مسئولية في الأخير يعيش في حالة فراغ, يرجع كل واحد إلى نفسه يريد نفسه هو, يكبِّر نفسه وعنده أن نفسه … لا؛ لأن ما هناك قضيه تراها كبيرة, تخليك تغرق فيها.
موضوع الله سبحانه وتعالى قضية كبيرة إذا هناك جهل في معرفة الله, قصور في معرفة الله كذلك, ما هناك شيء يملأ وجدانك, يملأ ذاتيتك, في الأخير تكون حول نفسك, لا يتمحور الإنسان حول نفسه إلا في حالات الفراغ من الله, ومن حمل مسئولية على هذا النحو, مسئوليته كبيرة, يتمحور حول ذاتيته.
إذا تمحور الإنسان حول ذاتيته انحط, وتكون هذه بذرة اختلاف فيما بين الناس, وكل واحد يكون عنده أن الدنيا صراع على مقامات, وعلى مناصب, وعلى أشياء من هذه [لماذا اما أنت كذا, لماذا إما فلان] وهكذا, وكل واحد يريد.. فيكونون أبعد ما يكونون في التوحد, أبعد ما يكونون في الإخلاص, أبعد ما يكونون عن أن ينشغلوا بأشياء إيجابية.
هذه قضية هامة, الإنسان يحاول أن تتوسع معرفته بالله, يعمل على أن يتحمل مسئولية, يكون عنده قضية ومهما كبرت في ذهنيتك هو أفضل لك، مهما رأيتها كبيرة في ذهنيتك فهو أفضل لك؛ لأنها أول شيء تعتبر باباً من أبواب المعرفة الواسعة. ثانياً هي أفضل حتى لا ترجع لذاتيتك أنت. تأملوا مثلاً في الذين يتشاجرون, تأملوا فيهم عندما يكونون مثلاً عند الحاكم كيف يمكنك تخرج من جيبه شيئاً ولا ينتبه, أو يخرج من عند الحاكم ويسير يفتح سيارة ثانية غير سيارته, وأشياء كثيرة من هذه.
[فجُعل بآياته مترافداً،] أي القرآن الكريم [وبضياء بيناته متشاهداً،] يشهد بعضه لبعض, [غير متكاذب الأخبار،] لا يوجد منه شيء يكذب بعضه بعض [ولا متضايق الأنوار،] نور ضيق إنما فقط بصيص, وأشياء من هذه, لا.
[بل ضحيان النور، فيحان الأمور،] نور واسع, أمور واسعة [سيحان الأنهار بالحياة المنجية،] هذا يعني بحور, سيحان الأنهار يعني تتدفق. عندما يقول واحد: بَسْ, قد بايكفي القرآن!؟ إنما نحن فقط أنظارنا تكون .. يريد واحد رصات! هل أنت تدري بأن الكتاب هذا هو أوسع من الحياة بكلها؟ القرآن الكريم أوسع من الحياة بكلها{قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}(الكهف109) كيف تقول لي: بَسْ! أمام القرآن, القرآن ما هناك أمامه بَسْ! على الإطلاق, أو تقول: أنه ما يكفي.
يبدو أمامنا أنه حتى يستكمل الموضوع أنه لازم رصات كتب! أقرأ حتى لو قالوا فيها, المهم أريد أقرأ, أريد أقرأ, أريد أحسي رصات, يشبع, يشبع! نأتي نقرأ الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس, وهكذا. تقول: هذه فيها خلل, لكن عندما نبعدها ماذا بقي؟ أليسوا يقولون هكذا؟!.
لأن القرآن في رؤيته بالنسبة للجانب المعرفي, المعرفة مثلما قلنا قبل أنه يجعل الحركة في سبيله مدرسة يحول الحياة بكلها إلى مدرسة, كلها, يرى الدنيا عبارة عن فصل دراسي, كلها عبارة عن فصل دراسي, كل أحداثها, كل متغيراتها, كل حركة الناس فيها, كلها تعطي معارف, معارف واسعة جداً.
ما ربط الموضوع بمدونات, يعني عندنا تفهم أنه فقط العلم يأتي عن طريق أن أقرأ كتاباً, إذا ما قرأت كتاب وكتاب وكتاب, إذاً ما هو سابر أشعر أني عالم! أليس هكذا؟ لكن لاحظ أنك عندما تعرف أن هذه الرصة من الكتب في الفن الفلاني باطل, هذه هي معرفة إيجابية, عندك رصة من كتب أصول الفقه, تقول هذا ضلال فيتركه. هذه هي معرفة إيجابية, تفتح لك معارف كثيرة, تقول: أبداً, ضروري أقراها حتى أطعم العلم, وأتذوقه, وأرى العلم! مقروات, مقروات!.
القرآن يقدم أنه الحياة كلها عبارة عن مدرسة, وممكن تطلع على كل شيء آخر لن تزداد إلا هدى ونور؛ لأنه عندما تكتشف أن هذا باطل أليست معرفه؟ معرفة هامة جداً أن تكتشف أن القاعدة الفلانية, أن المفهوم الفلاني خطأ, القاعدة الفلانية باطلة, المسألة الفلانية باطلة, هو هذا العلم, ما معناه إنْ واحد قد هو عطل! هذا علم أن تعرف أنها باطلة؛ لأنه ما هناك نقطة تقف عند نفسها, ما هناك مسألة تقف عندها, كلها يكون لها آثار.
أن تعرف أن هذا الشيء, القاعدة الفلانية باطلة, أنت هنا تفتح نفسك على معارف صحيحة في موضوع قد ترى آثارا ـ مثلاً ـ أن هذه باطلة, متمددة في أشياء كثيرة, مفروض تفهم أخطاءها كيفما هي, وأنت عندك بديل هو ماذا؟ معرفة صحيحة عن كيف الواقع, كيف الحق, كيف الصحيح في الموضوع هذا.. ما هو إنْ واحد سيجلس عطل.
[سيحان الأنهار بالحياة المنجية، واسع الأعطان والأفنية، ساطع النور والبرهان، جامع الفصل والبيان، فأنواره بضيائه زاهرة، وأسراره لأوليائه ظاهرة، فما إن يواري عن أهله الذين أُسْتُودِعُوا علمه من سرائر سريرة، ولا يدع ما وضح من نوره في قلوبهم من مشكلةِ حيرة،] لا يدع حيرة, أليست هذه إيجابية كبيرة؟ لا يوجد عندك شكوك, ما عندك حيرة, ما عندك اضطراب .. فإذا أحس الإنسان في أي وقت .. فإنما فقط ما زال يحتاج إلى معرفة, ما صادف أنك قد حصلت على كل شيء ثم يظهر يبدو أنك ضعيف في موقف معين: [إذاً والله هذا شيء ما عليه مركن] لا, الضعف يرجع إليك أنت, ما تزال بحاجة إلى معرفة.
[ولا يدع ما وضح من نوره في قلوبهم من مشكلةِ حيرة، بعزائم حكماته المنزلة،] يريد إحكامه وحكمه [ودلائل آياته المفصّلة. فسبحان من جاد به طولاً،] تفضلاً. من جاد بهذا القرآن الكريم, جاد به على عباده طولاً يعني تفضلاً منه, وتفضل عن غنى, هو نفسه غني, هو أكرمنا بهذا الشيء العظيم, وهو في نفس الوقت هو غني, ليس بحاجة إلى إي شيء من هذا كله, من الذي يدعونا إلى أن نكون سائرين عليه, وملتزمين به, ليس بحاجة إلينا نهائياً, ليست مصالح متبادلة بين الله وبين الإنسان مثلاً.
[وجعل سببه به موصولاً.] فالقرآن الكريم ما نزل بالشكل الذي قال: تفضلوا وهو منفصل عنه, والقرآن الكريم هو بالشكل الذي يشد الناس إليه بطريقة دائمة مستمرة, يهديهم إليه, ليس فقط ينزله قانون ويقول تفضلوا, اتفقوا أنتم وأنفسكم عليه, وحاولوا تسيروا عليه, وما عاد لنا علاقة به! بل من أعظم مهمات القرآن الكريم هو ماذا؟ يهدي الناس إلى الله, ويملأ وجدانهم بمعرفة الله, بالخوف من الله, بالحب لله, بالخشية من الله, وهكذا, بالرجاء بالأمل.
[لقد أجلَّ سبحانه به المنة على العباد،] منة جليلة [ودلهم به تبارك وتعالى على كل رشاد،] كل رشاد, ما يمكن نقول: ما يكفي .. [فجاد لهم سبحانه بما لا تجود به نفس وإن عظم جودها، وكبر في الجود بالعطايا المحمودة محمودها، لقد جاد لهم منه بكنوز لا تبلى، وأعطاهم به عطيَّةً لا يجد لها واجدٌ وإن جهد، فبذل لهم به منه كنز الكنوز، ودلهم به على كل نجاة وفوز،].
لكن كيف يمكن يعرف واحد أن هذه الأشياء سيكون لها قيمه عنده؟ تعتبر كنوز, وتعتبر لها دور, ولها قيمة عنده؟ أنت إذا ما رجعت لكل هذه الأشياء من حولك لا تبالي بها, يعني تعتبر نفسك صفر في الحياة, لا يوجد عندك اهتمام, إذا ما عندك اهتمام, ما عندك مسئولية, لن تستفيد.
الضلال ليس مشكلة, ليس مزعجاً, الحق ليس مطلوباً, ليس جذاباً, يكون واحد فاضي, إذا واحد هكذا على ما بين نقول: [مبهطل] ما عنده اهتمام, ما يستفيد, لكن لا, تحمَّل المسئولية؛ ولهذا جاءت المسئولية في القرآن مؤكدة مفروضة, تحمَّل مسئولية, يكون لك عمل وأنت ستلمس بأن هذه مشاكل, ومشاكل هنا مزعجة, خطيرة, تكرهها, في نفس الوقت تنشد إلى ما هو حق, إلى ما هو ماذا؟ إلى ما هو يهدي إلى إزاحة هذه المشكلة, إزاحة هذا الضلال, إزاحة هذا الباطل, فيكون للحق قيمة عندك.
أما إذا لم يكن لك دور نهائياً, ما عندك مسئولية, ما عندك اهتمام فلن يكون لأي شيء قيمة عندك نهائياً.. الإمام القاسم يقول, يسميه كنوز لا تبلى [فجاد لهم سبحانه بما لا تجود به نفس وإن عظم جودها] لماذا؟ لأنه إنسان هو نفسه كان من هذا النوع, إنسان متحرك, إنسان يهتم بأمر الأمة, يتحمل مسئولية, تكون نفسه كلها غارقة في ماذا؟ في تحمل المسئولية, وهمّ كبير هو هم الأمة هذه بكلها, كان يبكي كثيراً, هو يعرف أن هذه حلول, هذه أشياء هامة, كنوز, معارف, هدى, رشاد, لماذا الأمة هكذا؟ يفكر كيف يحاول أن يحمل الأمة على أن تهتدي بهذا الهدى, وتسير على هذا الهدى, ويسود فيها هذا المنهج العظيم.
[فتح لهم أبواب الجنان، وهداهم به سبيل الرضوان، ونبأهم فيه عن نبأ السماوات العلى، وما مهد تحتهن من الأرضين السفلى،] يعبر عن سعته كيف في الدنيا وفي ما يتعلق بالآخرة. فالقرآن يملأ هذه كلها, يتناول هذه كلها, أنباء عن الجنة والنار, عن الآخرة, وعن السماوات والأرض وما بينهن, وما فيهن [وما فتق من الأجواء، بين الأرض والسماء، وعن خلق الملائكة والجن والإنس فقد نبأهم، وعن كل علم كريم مكنون فقد به أتاهم، قصَّ به عليهم أخبار القرون الماضية، وأخبرهم فيه بمن أُهلك بذنبه من الأمم العاتية، فكل عجيب من الأشياء، أو قصة كريمة من قصص الأنبياء، فقد أوصل فيه علمها إليكم، وأورد عجيب نبئها به عليكم. فعلى كتاب ربكم هداكم الله فاقتصروا، وبه فهو ذو العبرة فاعتبروا،].
[فعلى كتاب ربكم هداكم الله فاقتصروا،] اقتصروا لتدوروا حوله, تهتدوا به, تسترشدوا به [وبه فهو ذو العبرة فاعتبروا، ففيه نوافع العلم، وجوامع الكلم، التي يستدل بقليلها على كثير] يستدل بقليلها على كثير, هو يفتح أبواب معارف, هو يجعل الحياة مدرسة, بينما مناهج أخرى تجعل الحياة ظلاماً, لا ترى فيها إلا ظلاماً.
[يستدل بقليلها على كثير من ملتبس قال وقيل،] ملتبس الأقوال: قال, الأقوال سواء داخل كتب فلاسفة, متكلمين, فقهاء, محدثين, كيفما كانت, أليست أقوال؟ قيل, وقال, أو اختلافات بين الناس مثلاً, حول غايات الأشياء, حول أصول أشياء حول .. قال, وقيل, قال وقيل يكون أحياناً داخل الكتب, الفلاسفة, أليس لديهم [قال وقيل] حول موضوع الخلق, وحول موضوع العالم, هذا كيف, ومن أين بدأ, وكيف سينتهي, ولماذا! أليست هكذا تكون المباحث عندهم؟ والمتكلمون, والمفسرون, والفقهاء, والمحدثون, والكل, قال, وقيل, القرآن الكريم سيعلمك الصحيح, حتى عندما تمر بقال, وقيل, من هذا ستعرف من هو صاحب القيل الصحيح, ومن هو صاحب القيل الخطأ.
[ويُستشفى من علمها بتفسير أدنى ما فيها من دليل.] يعني وكأن القرآن مضغوط جداً, أي لو أن نصوصه تأتي على وجه مساوية لمعانيه لطلعت ربما ملايين المجلدات من الكلام, لو أن نصوصه تساوي معانيه, أليسوا يقولون أن هناك: إيجاز, وهناك إطناب, وهناك مساواة. الإطناب: عندما يكون الكلام أكثر من المعنى, الإيجاز: الكلام أقل من المعنى, يعني يعطي معاني أكثر من الألفاظ القليلة, ألفاظ قليلة, ومعاني واسعة, المساواة: المعنى مساوي للفظ.
لو تفترضه بهذا النحو: مساواة, تطلع لك ملايين المجلدات, يقول لك هنا: [ويُستشفى من علمها بتفسير أدنى ما فيها من دليل.] يعتبر شفاء لك, وشفاء من المرض, من مرض الإشكاليات, الإشكاليات تكون أحياناً واسعة, إشكاليات واسعة, لو تأتي تدون إشكالياتك تطلع لك مجلد.. من آية واحدة, قد يستشفى بها فيما يتعلق بالإشكاليات هذه, يعتبر ماذا؟ حبة واحدة, مثلما تعمل لك حبة, كبسولة واحدة تشفيك من مرض خطير .. وهكذا.
وترى في الأخير ما يجد الإنسان كرامة للإنسان إلا على أساسه, تكريم؛ لأن الله عندما يقول:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}(الإسراء70) في الأخير تلحظ كل توجيهاته كل تشريعاته كلها هي تلحظ التكريم للإنسان, تلحظ التكريم للإنسان, بينما ما يأتي من عند الآخرين لا يلحظ التكريم على الإطلاق, يؤدي إلى إهانة, إلى حط لمستوى الإنسان هو كمخلوق كرمه الله تحطه.
لاحظ في موضوع الإتباع, موضوع سنة الإتباع في دين الله كيف قدمها, ألم يقدمها بشكل يختلف عما عليه الآخرون؟ نحاول نتفهم بشكل كبير؛ لأن هذه القضية الآخرون أليسوا يقدمون مثلاً أشياء معينة هي عبارة عن حرية؟ وأن هذه عبارة عن صنمية, وهذه عبارة عن عبودية, وهذه عبارة عن عمى [فلان يتبع فلان] يعني يدهج هكذا عمى! لا, أتركه هكذا!.
الحرية التي يسمونها حرية, لا يلحظون فيها ما هو الأساس الذي يمكن أن يحقق للإنسان حرية, الله جعل حرية الإنسان في عبوديته لله, إذا انفرد من هذه تحول إلى عبد لغير الله, أنت لا تستطيع أن تتخلص من العبودية, فإما عبودية لله, وإما عبودية للشيطان, ما هناك مجال من هذا. أن تكون عبداً لله تكون حراً, هذه حرية, كرامة؛ لأن العبودية لله: هي تكريم, هي حرية.. ما الله سبحانه وتعالى يتعامل مع عباده مثلما يتعامل معك الشيطان, أو مثلما يتعامل معك أولياء الشيطان!.
أليسوا يحاولون أن يخضعوا الناس لهم بطريقة إذلال؟ بطريقة إهانة, بطريقة قهر, أما الله فهو يقول: لا, {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ}(المنافقون8) لاحظ كيف أشركهم في الموضوع: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ألم يعمل هكذا؟ فما هناك شي حتى في مسألة مثلاً أنبيائه, أوليائه, يكون النبي نفسه ليس غارقاً في أن الناس يتبعوه هو هو؛ لأنه هو نفسه ليس حول نفسه, هو غارق في إتباع الله, فهو يهدي الناس إلى الله.
والمسألة ـ كما قلنا بالأمس ـ فعلاً أنه حتى بالنسبة لله سبحانه وتعالى ما يرضى فقط أن تنتهي المسألة عنده وفقط, هو يفيض على عباده, هذه قضية مؤكدة, عندما يعبّدون أنفسهم له, ألم يصف نفسه بأنه الكريم العظيم الحليم الحكيم؟ أليس هكذا؟ يفيض على عباده, يفيض عليهم من كرمه, من رحمته, من حلمه, من حكمته, من علمه, من عزته, من مجده, فيصبحون أعزاء {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون8).
فهذه هي قضية هامة جداً, تجد أنه فعلاً ما هناك تكريم للإنسان على الإطلاق إلا وفق منهج الله الذي رسمه لعباده, إذا خرجوا عنه, أهانوا نفوسهم, تحولوا إلى عبيد لأعدائهم.
ثم يقول في الوصية: [فعلى كتاب ربكم هداكم الله فاقتصروا، وبه فهو ذو العبرة فاعتبروا، ففيه نوافع العلم، وجوامع الكلم، التي يستدل بقليلها على كثير من ملتبس قال وقيل، ويُستشفى من علمها بتفسير أدنى ما فيها من دليل.
فسبيل قصده فاسلكوا] السبيل القاصد الذي رسمه فاسلكوه [وبه ما بقيتم فتمسكوا،] دائماً.
ما تعتبر القرآن عبارة عن مرحلة, نقرؤه هذه السنة, سنتين, ثلاث, وانتهى الموضوع, ثم نقول: قد قرأنا القرآن, وقدنا منه وكذاك! لا, دائماً, دائماً يجب أن ترتبط بالقرآن دائماً, كمَّا كان عمرك؛ لأنه أوسع منك, وأوسع من حياتك, وأوسع من عمرك, ما يمكن تقول: سأتفرغ له، أتفرغ له, وأفرِّغ له سنتين, ثلاث, وفي الأخير يكفي, لم يعد هناك فائدة, قد زليته قد با أمشي كذاك0
[فهو ذروة الذرى،] قمة القمم [وبصر من لا يرى،] إذا كنت ممن لا يرى ارجع إلى القرآن الكريم وستبصر [وعروة الله الوثقى، وروح من أرواح الهدى، سماويٌّ أحلّه الله برحمته أرضه،] هو سماوي: من السماء, يعني أشبه شيء بكونه روحاني, أحله الله في أرضه [وأحكم به في العباد فرضه، فلا يُوصَلُ إلى الخيرات أبداً إلا به،] تجد كم يكرر من الكلمات القاطعة [فلا يُوصَلُ إلى الخيرات أبداً] خيرات في الدنيا, وفي الآخرة, أليس الناس دائماً يريدون خيرات في الدنيا؟ يجب أن نلحظ هذه: أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في هذه الدنيا, وهو مرتبط من حيث حاجياته في الدنيا, هو يحتاج إلى خيرات الدنيا هذه.
هذه قضية لا يغفلها أبداً, فالخيرات في الدنيا تأتي في الاستقامة على ما هداهم إليه, وفي الالتزام بما أمرهم به, وأرشدهم إليه. هذه القضية أساسية إذا ما هي على هذا الأساس, وما هي خيرات تأتي من جانب الله بسبب الالتزام بهديه فهي تنقص, تنقص, وكل سنة هي أكثر نقصاً.
[فلا يُوصَلُ إلى الخيرات أبداً إلا به، ولا تُكشف الظلمات إلا بثواقب شُهبه،] إذا الناس كل واحد حريص على كشف الظلمات عن واقعه, كشف الظلمات عن حياته فلا تكشف الظلمات إلا بثواقب شهب القرآن.
[مَن صحبه صحب سماوياً لا يجهل، وهادياً إلى كل خير لا يضل، ومؤنساً لقرنائه لا يُمَلُّ،] لا تشعر بوحشة [مؤنساً لقرنائه لا يُمَلُّ،] ما تضجره, يصبح قريباً لك, مثلما قال قبل يتحدث عن عبارة تشبه هذه: [إلف فكر كل حكيم] ألم يقل إلف فكر كل حكيم؟ [وسكن نفس كل كريم] وهكذا؛ لأنه حتى في وقت الشدائد ترجع إلى القرآن الكريم, وتقرؤه وتتأمله تجد كيف ينفس عنك, كيف يجعل المشاكل, يجعل هذه الأشياء الكبيرة بسيطة, لا تجزع, ما يحصل عندك جزع, ما يحصل عندك وهن أمامها, ما يحصل عندك انكسار, ما يحصل عندك هزيمة.
[وسليماً لمن صحبه لا يَغِلُّ، ونصيحاً لمن ناصحه لا يغشّ، وأنيساً لمن آنسه لا يوحش، وحبيباً لمن حابَّهُ لا يبغض،] ما تخشى في يوم من الأيام يبغضك أبداً, ما تزيد معايشته إلا حب له, وتجده في معايشته وكأنه معني بك, تجده وكأنه معني بك, ففي الوقت الذي تراه أنت معني بالناس جميعاً, وبالبشر جميعاً, وبالعالم كله, تجده وكأنه معني بك, أنت عندك مشكلة, عندك مصيبة, كارثة معينة, تجد فيه أنسك تجد فيه مواساة لك, حتى وكأنه إنما هو لك, وكأنه مخصص صحبته لك, في الوقت الذي أنت تراه هو فعلاً للعالمين جميعاً.
[ومقبلاً على من أقبل عليه لا يعرض،] لا يعرض, ولا تجده في مرة من المرات كمَّل ما عنده, لا يوجد: إنك تقرأ القرآن مثلاً مع مسايرتك له ثم ينجح عليك, يقول: أمانه إلى هنا وبس, لم يعد معي شيء, دوِّر إذا عاد أحد سينفعك, لا يوجد هذا, لا يزال على طول, على طول, مهما كانت المهمات, مهما كانت مهامك في الحياة 0
[يأمر بالبر والتقوى، وينهى عن المنكر والأسواء، لا يكذب أبداً حديثاً، ولا يخذل من أوليائه مستغيثاً،] ليس في حديثه ما يمكن أن يكون كذب, ولا يمكن أن يأتي ما يكذب بحديث من حديثه نهائياً, لا يمكن أن تجد في داخل القرآن ما يكون مكذباً لحديث منه في موضع آخر, ولا يمكن أن يأتي في الحياة ما يكذب شيئاً من القرآن على الإطلاق, عندما ترى شياً اكتشف فأثبت بطلان اعتقاد معين, أو رؤية معينة, أنت ترى بأنه ما كان منشؤها القرآن أبداً, منشؤها من عند الآخرين, أما القرآن فما يمكن على الإطلاق, بل يظل فوق ما يتوصل إليه العلم نفسه.
لذلك جاء بعبارة التنكير في مسألة قلب, وعين, وأذن, يقول عنها: آلية قابل أن تتغير, قابل أن تُغَيَّر, وصل العلم إلى هذه فيما يتعلق بالقلب! بالنسبة للعين هم يفكرون في هذه, في العين نفسها قالوا: هم يفكرون في إمكانية أنه تركب عين محل عين زراعة عين فيبصر بها.
ولهذا الإنسان يحذر تماماً, يحذر أن تكون معتقداته مأخوذة من غير القرآن ورؤاه, مأخوذ من غير القرآن لأي ظاهرة من الظواهر, وإلا فسيأتي العلم, تأتي الأبحاث, تأتي الاكتشافات تكذب واحدة من هذه, فتقول في الأخير:[إذاً والله مشكلة] عندما تكون تنسبها إلى الدين. لكن عندما تربط معتقداتك, ورؤاك بالقرآن الكريم, فثق بأنه لن يزيد ما لديك إلا يقين بأنه صحيح كلما تقدم العلم, كلما توسعت البحوث, والاكتشافات.
[هنا ورد كلام من أحد الحاضرين حول أنهم كانوا قد قالوا: إن الشمس ثابتة ثم ما حصل من تغيير لهذه النظرية.]
فقال السيد: الشمس والقمر والنجوم, هذه كلها تدور في فلك, كلها تتحرك, والحياة كلها, كلها متحركة, والإنسان وهو راقد هو في وضعية متحركة, هو رقد عن موقف أليس هكذا؟ صنع موقفاً وهو راقد.
هذه القضية هامة يفهمها واحد؛ لأن هناك شعور عند الناس أنه بيمكن واحد يعتزل وماله حاجة من شيء, وبقي..! لا، أنت عندما تكون معتزل أنت تصنع موقفاً.
[إن وعد وَعْداً أنجزه،] وعود صادقة [إن وعد وَعْداً أنجزه، أو تعزَّز به أحدٌ أعزه، لا تَهِنُ لأوليائه معه حجة،] هذه قضية هامة لا تهن, لا تضعف لأوليائه مع القرآن حجة أبداً, في أي مقام كانوا, وفي أي حوار كانوا, لكن ولازم تفهم ـ مثلما قلنا سابقاً ـ أن القرآن هو أيضاً وهو يبين, ويرشد, مما يرشد إليه, ويبين, أنه وضع منهجاً, يرسم منهجاً في كيف تحاور, يرسم لك منهجاً في كيف تدعو, كيف تعلِّم, كيف ترشد, وهو يركز دائماً على ضرب أسس الباطل, هذه قاعدة فيه.
ما تأتي تستغرق مع الآخرين في التفاصيل, في التفاصيل, في تفاصيل معينة, عد إلى الأسس في حوارك, ارجع إلى الله, أبدأ من الله, واربط كل قضية بالله, ولاحظ عندما يتهاوى الباطل, ويضعف صاحبه, لكن تأتي تغرق أنت وإياه في تفاصيل من تحت تفاصيل, تجلسوا على طول ما تنتهوا إلى شيء.
وأن يكون عندك روح أن تهدي, أن ترشد, لا أن تقهر الآخر, لا أن تغلبه, لا أن تبين ضعفه أمام الناس, لا تكن هذه عندك على الإطلاق. يكون عندك هدى, أن تهدي, أن ترشد. نبي الله موسى انطلق إلى فرعون وهو حريص على أن يهتدي وهو المجرم الذي قتل من بني إسرائيل آلاف الأطفال! ألم يقل له: {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}(النازعات19)؟ هنا هو يدعوه إلى الهدى, يحب أن يهتدي.
ولا يأتي مع القرآن فكرة المساومات, والتنازلات, لا تحصل هذه, أسكت عن هذه, أسكت عن هذه, وأحاول أتأقلم معك في هذه الحاجة من أجل نحاول.. لا توجد هذه, هذا هو أسلوب العاجز, أسلوب الضعيف فقط, وإلا فحجج القرآن فوق أنك تحتاج أن تتنازل عن مبادئ, تتنازل عن أسس, وتتأقلم مع الآخر فيما هو عليه من أجل ماذا؟ من أجل زعم تكسبه. لا, أنت هنا دخلت معه.
القرآن يركز على قضية هي أنك تثق, تثق باتجاهك أنك أنت تدعو الآخرين إلى هذا الاتجاه:{تَعَالَوْا}(آل عمران61) وأيضاً عبارة:{ادْعُ} نفسها تفيد هذا{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّك}(النحل125) ؛ لأنك في الأخير تتوكل معهم على زعم أن واحد يريد ماذا؟ يتأقلم معهم, ويكونون جميعاً صفاً واحداً! لا, ليست طريقة هذه, هو يعطيك هذه النظرة: أن القضية ليست قضية توليف هكذا, قضية تنازلات, وقضية تسامح, كل واحد يغطي على ذا, أنت ادع, يكون عندك هذه النظرة, وهي نظرة هامة تجعلك لا تذوب مع الآخر في باطله, فيما هو عليه أبداً.
[لا تَهِنُ لأوليائه معه حجة، ولا تبلى له ما بقي أبداً بهجه،] بحيث يكون في الأخير لا يعد له جاذبية, بهجته, جاذبيته, بهاؤه في الأخير يبهت .. لا، بل تزداد.
[ولا تبلى له ما بقي أبداً بهجه، ولا يخلقه كرٌّ ولا ترداد،] يبليه [ولا يلّم به وهنٌ ولا فساد، ولا يعي به وإن لَكِنَ لسان،] لا يعي به لسان وإن كان فيه, لكنه سيكون لسانا طلقاً, تحججه يعني لو عندك لكنة في لسانك سيجعل حججك وبيناتك أقوى من حجج وبينات طلق اللسان الذي لا يتعثر لسانه, ولا في حرف واحد.
[ولا يشبه فرقانَه فرقان،] ما هناك فرقان آخر يشبه فرقان القرآن. [ومن قبلُ ما صَحِبَ الروحَ الأمين، والملائكة المقربين، فكان لهم هادياً ومبيناً، وازدادوا به من الله يقيناً.
فاتخذِوه هادياً ودليلاً، واجعلوا سبيله لكم إلى الله سبيلاً، حافظوا عليه ولا ترفضوه، واتخذوه حبيباً ولا تبغضوه، فإنه لا يحب أبداً له مبغضاً،]. إذا أنت تنظر إليه نظرة استثقال فأنت تبغضه في الواقع لن يبدي عليك عندما تعتبره أنه تكليف وأنه شاق, أوامر شاقة لازم نعملها وإلا جهنم وكلها تراها أحمال!. كما قدم الدين!. قدم بهذا الشكل؛ لهذا الناس هم في واقعهم الكثير منهم يستثقلون القرآن, يستثقلونه.
طيب أنت عندما تستثقله أنت لا تحبه, الإنسان ما يستثقل حبيب له, هل أنت تستثقل حبيباً؟ ما تستثقل إلا شخص تراه حملاً, ليس مقبولاً لديك؛ لهذا يكرر هنا, ويؤكد على مسألة أنه نعمة, أنه منة, أنه تطَول من الله, جاد به فضلاًُ على عباده, أكرمهم به.
ويؤكد على أن يكونوا محبين للقرآن, كيف تحب القرآن؟ عندما تعرف بأنك في أمس الحاجة إليه, وبأمس الحاجة إلى هدايته, بأمس الحاجة إلى نوره, بأمس الحاجة إلى عزته, وأنه يهدي, وأنه يقبل على من أقبل عليه, وأنه يؤنس, وكل هذه جاءت في صفات الحبيب.
الم يقل هنا أنه يعتبر أنيساً لمن قرن نفسه به, لمن صاحبه وأنيساً لمن آنسه لا يوحش، وحبيباً لمن حابه لا يبغض، فإنه لا يحب له أبداً مبغضا، ولا يقبل على من كان عنه معرضاً, وقد تكون معرضاً عنه وأنت تقرأه بفكرة: تحصل على عشر حسنات لكل حرف وتمشي بسرعة, وتلك الآيات تتقافز من فوقها وهكذا.. هذا إعراض.
عندما تجد نفسك أنك تحاول أن تصنع مبررات لأن لا تنطلق على أساس آية من آياته, هذا موقف من؟ موقف المعرض, موقف المبغض ولو لم يوجد هنا مشاعر كراهية له, يشعر بكراهية، لكن هذه مواقف المعرض, مواقف المبغض, مواقف الكاره، مواقف المستثقل، مواقف المعرض. لو عندك مثلاً نظرة إليه بحب أنك مِِن تحاول تتفهم كل شيء فيه, وتحاول أن تنطلق ما مِن جو أنت تحاول تغطيه, لا يراك, ولا تراه, يعني إنك لا تريد أن تراه.
[ولا يُقبل على من كان عنه معرضاً، ولا يُهدَى إليه من عاداه، ومن تعامى عنه أعماه، ولا يبصر ضياءه إلا من تأملَّه، ولا يُعْطِي هداه إلا أهله، من ضل عنه أضله، يُقلَّد جَهْلَه مَنْ جَهِلَه،] فالقرآن يمكن أن يضل ويمكن أن يجهِّل, لكن نوعية من الناس هذه النوعية: من جهله, من ضل عنه.
[إن أُدبِر عنه أَدبر،] إذا قفيت بوجهك منه يقفي عنك, يبادلك, [أو أُقبِل عليه بصَّر. جعله الله يتلوّن في ذلك بألوان، ويتفنن فيه على أفنان،] ما معناه أن نصوصه هي تتلون فيكون معناها مضل, معناها باطل, أبداً, ما يحصل هذا, معناه هو المعنى الحق دائماً [جعله الله يتلوّن في ذلك بألوان، ويتفنن فيه على أفنان،].
طيب هذه قد ما نستطيع أن نفهم تفاصيل تعتبر أمثلة للحالة هذه ربما إلا مع حركة الناس في الحياة على أساسه, وتقييم لوضعية المجتمع, وتقييم لواقع الناس على أساسه, حتى تعرف كيف مسألة أنه يضل من ضل عنه, ويجهل من جهله, أنه يدبر عمن أدبر عنه, أنه يتلون في ذلك بألوان, ويتفنن فيه على أفنان.
[فهو الهادي المضل،] وهذا من الأشياء الغريبة [وهو المدبر المقبل، وهو المسمع المصم، وهو المهين المُكرِم، وهو المعطي المانع، وهو القريب الشاسع] هو بعيد، تبعد عنه يبعد عنك, تقترب منه يقترب منك [وهو السر المكتوم، وهو العلانية المعلوم، فمرّةً يهدي إليه من اصطفاه، ومرّةً يُضل من أبى قبول هداه، ومرّةً يُقبل على من أقبل إليه، ومرة يدبر عن من التوى في الهدى عليه، ومرَّةً يُسمع من استمع منه، ومرّةً يُصِم من أعرض عنه، ومرّةً يهين الأعداء، ومرّةً يكرم الأولياء، يعطي من قَبِلَ عطاه، ويمنع من أبى قبول هداه، يَقرُب لمن ارتضاه، ويَشْسع] يبعد [عمن سخط قضاه، يَعْلَنُ لأوليائه ويَظْهَر، ويكتتم عن أعدائه ويسترُّ، نور هدىً على نور، وفرقان بين البِرِّ والفجور،].
كيف يمكن أن تتصور هذا؟ لأنه جاء بأشياء تبدو صفات هي متضادة. طيب هذه في أساسها هي توجد دفع للإنسان أن يفهم أنه إما أن يهتدي وإلا فسيضل, إما أن يقرب وإلا فسيبعد, إما أن يقبل وإلا فسيدبر. وهذه هي قضية؛ لأن الحياة هكذا, واقع الإنسان هكذا. يعني ما قدم هدى القرآن وعلى مزاجك! تقول: [بعدين با نرجع با نشوف كيف وبا نرجع نلتفت إليه بعد سنة أو بعد سنتين]؛ لأنه مسيرة متحركة, الحياة متحركة, والمسيرة مستمرة.
لا تتصور, قد يعتبر واحد أن هذه أشياء راكدة, لا تتصور أن الأشياء راكدة, والحياة راكدة, والمسيرة انتهت, وإنها على مزاجك. القرآن في حركة عندما يقول: اركب معنا وإلا فستكون مع الكافرين أشبه شيء بما حصل, وهو يعتبر مثلاً لهذا الموضوع, ما حصل لنبي الله نوح مع ابنه, هنا سفينة أمواج {ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ}(هود42).
هذا الموضوع لا يوجد فيه أخذ ورد كثير .. مسيرة متحركة ما رضي وقال: سآوي {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}(هود43) وهو أقرب مثال نفهم منه هذا, يعني القرآن, الهدى هكذا, الهدى هكذا ما هو أقل: [أتسمَّع ثم أفكر وإنشاء الله عندما يواتيني إذا واتاني ما يهمه] بهذا الشكل: أنت إما أن تقبل وإلا فمع السلامة, حركة,{وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}(هود43) ما هناك أخذ ورد, وساعة العون, وعندما يواتينا با نرجع.
عندما تتأخر عنه ما تدري وضاعت أشياء من فرص الحياة, من فرص الهدى, من فرص العمل, من فرص الاستبصار. تضيع. إذا فهمنا أن المسألة هي بهذا الشكل, الحياة متحركة, عجلة, مثل الشريط, ما هناك وقفة.
أنت عندما تقول: با نشوف, متى ما واتانا! مشى قد هو هناك, أتوكلْ, مشى.. عندما تتصور مثلاً بأنه شيء آخر ممكن تفكر بأنه قد يهديك, هو سيتجاوزك,{وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ}لكن بعد ما قال ماذا؟{قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء}(هود43) ألم يقل هكذا ابن نوح؟ يعني هناك شيء آخر ممكن أصير إليه! قال:{لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ}(هود43) لم تبق القضية على مزاجه, {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ}(هود43).
هنا قد يحول بينك وبين القرآن الموج فتكون من المغرقين؛ لأن ما هناك وقت, ما يمكن تجلس وتقول: بعدين, أنت جلست تجاوزتك المسيرة, أصبحت هناك, أصبحت متأخراً, هو قفى وذهب.
من أمثلة هذه أنني إذا لم اهتد بالقرآن لأعرف أسس الهداية, ومصادر الهداية, إذا لم يكن عندي قابلية لهذه فسأكون في نفس الوقت قابل لأن أضل من أعلام ضلال, يقدم لي القرآن ضلال, هذا ممكن. ألست تجد كثيراً من أهل الباطل, كثيراً من أهل العقائد الباطلة, يحاول يقدم نصوصاً من القرآن؟ يقدم نصوصاً من القرآن, يحاول يقدم أحاديث مكذوبة على النبي, أنت تقبله من منطلق ماذا؟ أن الله قد قال في القرآن:{وَمَا آتَاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}(الحشر7) أليسوا يستخدمون هذه؟.
يقول لك هذه أحاديث عن رسول الله, وهي عندنا صحيحة. يقولون لك هكذا, وأنت عليك أن تقبل؛ لأن الله قال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}(الحشر7) ألم يطلع لك الآية بالشكل الذي تشدك إلى ضلال فيصبح القرآن ـ إذا لم تعرف من أين تأخذه, وعلى يد من تهتدي به, وممن تقبله فسيقدمه الآخرون لك وسيلة للإضلال, يقول لك: الله يأمر بالفحشاء, يأمر بالمعاصي, هو يحمل الإنسان على المعصية, هو يقضي بالمعصية, ويقدر المنكرات! وأشياء من هذه.. ثم أليس هو في الأخير يقدم لك آيات؟ يقدم آيات.
طيب من أين جاءت المشكلة بالنسبة لك؟ أنك ما قبلت هدي القرآن في ماذا؟ في إلى من تتجه, وممن تقبل الهدى, يأتي ليقول لك: الله قال:{يُضِلُّ مَن يَشَاءُ}(الرعد27) {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ}(البقرة253) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}(الإنسان30) ويخليك تعتقد باطلاً في الله عن طريق ماذا؟ تقديمه للقرآن.
هذه واحدة من أمثلة هذه.. فإذا أنا لم أُقبل على هداه, إذا لم أُقبل على هداه, وهداه ليس فقط تفصيليات بالنسبة لكل شخص. هو يهدي إلى أسس هي مصدر هداية, يهدي إلى أعلام, مثلما قال الإمام الهادي: (القرآن يدل على العترة, والعترة تدل على القرآن).
…..
لا تتصور بأن النص القرآني هو نفسه يتلون هو, قد تتأمله ويطلع لك باطل! هذا غير واقع, بل أنت عندما يكون عندك مفهوم باطل, وتحاول أن تؤقلمه لك, تحاول أن تؤقلمه, هو لا يستجيب لك إلا أن تُكره القضية على أن تكون على هذا النحو, تُكرهها هي, تقول: أبداً؛ لأن عندي مثلاً اعتقاد أن الله فيما يتعلق بالمعاصي, بالقبائح هو الذي يحمل الإنسان عليها أجي أطلع كلمة مضل لتكون دليلاً لي على هذا.
عندما تحاول أن تقحم في القرآن باطلاً, أو تحاول أن تلصق به باطلاً هو يرفضه، يرفضه في مقامات أخرى.
طيب أمامنا ربما مثالين من الأمثلة, كيف هو يُقْبِل ويدبر, ويسمع ويصم, الخ.. وهذه هي واحدة من الأسس الهامة في القرآن, أن تعرف أن للقرآن ورثة, أن للقرآن أعلام يهدون به, وإلا إذا فكر كل واحد منا بأنه ليس إلا كبقية الناس في عهده وقبله كل إنسان كل واحد ينطلق للقرآن هو يتفهم, ويريد يستنبط, وأنه يتأمل إلى أخره, أليس هكذا؟ والناس ناسين, ناسين هذه المسألة سيضلون, أي لا تتصور أن ما هناك أحداً يحاول يرجع للقرآن وهو هكذا يقرؤه.. لكن بروحية أنه أنا, أنا أهتدي بالقرآن, وأعرف القرآن أنا, وأطّلع على القرآن أنا, وافهم أسراره أنا .. الخ.
لا تتصور بأنك حالة نادرة عندما ترجع أنت إلى الطريقة هذه, كثيرون.. المفسر أليس يحتاج يمارس الطريقة هذه؟ أمامك المفسرون كمثال واضح, الطبري, ابن كثير وغيرهم, أليسوا يحتاجون الطريقة هذه: يتأمل؟ يتأمل لكن منسوفة في ذهنيته أن هناك ورثة لكتاب الله اصطفاهم الله, هم يهدون بالقرآن, لا يوجد عنده هذه, يطلّع لك ضلال من تفسيره, وهو قد مر بكل آية من آياته.
هذه واحدة من الأسس, واحدة من القضايا التي لا بد أن تفهمها, باعتبار ماذا؟ تثقيف قرآني, وأساس قرآني, إذا ما عندنا هذا المفهوم ما نهتدي بالقرآن على الإطلاق, ما نهتدي به على الإطلاق, إذا ما عندي هذا المفهوم سأكون قابلاً لمن يطلِّع القرآن في غير مورده, في غير موضوعه, فيضلني به.
قد جعلوا مجاميع من الشباب يسيرون ليجاهدوا جهاداً أمريكياً في أفغانستان وما هم دارين! وحركوا لهم آيات الجهاد. ألم يحركوا لهم آيات الجهاد؟ عملاء لأمريكا, متواطئون مع أمريكا, بتمويل أمريكي وبتوجيه أمريكي يحركون لك شباباً مسلمين مساكين, يحركونهم ويسيِّرونهم أفغانستان باسم الجهاد في سبيل الله, أليس هو هنا يقرأ عليهم آيات الجهاد؟ ينكشف الموضوع وإذا المسألة كلها إنما هي ترتيبات لإخراج روسيا من أفغانستان؛ لتأتي أمريكا بديلاً عنها! ثم يقفل أولئك الأعلام _ أعلام الجهاد, وأعلام آيات الجهاد الذين كانوا يتحدثون بها في المساجد _ يقفلون ملف الجهاد, وانتهى الموضوع.. وإذا بهؤلاء المجاهدين الذين ـ الله يقول الجهاد في سبيله {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة41) ـ وإذا هم يطلعوا عند أمريكا التي جاهدوا من أجلها مسيئين, وتقول عنهم إرهابيين؛ لتعتبرهم مدانين بما عملوا, ألم يصبحوا مدانين بهذه؟ قالوا: هم راحوا أفغانستان!.
طيب هم راحوا أفغانستان, حركَّهم عملاؤكم, حركهم عملاؤكم يسيرون إلى أفغانستان وهم بسطاء, مساكين، على أقل تقدير قدّروا لهم جهودهم هذه؛ لأنهم اتجملوا فيكم، وأخرجوا روسيا بدل أن تضحوا بجندي واحد أمريكي! فأصبح عملهم في أفغانستان لم يكن فيه خير لهم نهائياً, لم يكن فيه خير لهم, بل أصبحوا مطاردين به. فهنا سيأتي من يحركك بآيات قرآنية في غير وقتها, في غير موضوعها, القضية هذه ليست سهلة.
هذا أساس هام جداً: الاهتداء بالقرآن, تجد أهل البيت أليسوا ـ أنفسهم ـ إذا خرجوا عن هذا المفهوم يضلون؟ هم إذا خرجوا عن مفهوم أن للقرآن ورثة هم يرشدون إليه, هم يهدون به .. يصبحون هم ضالين, هم يغرقون في الضلال.
[هنا سأل أحد الحاضرين عن رفع معاوية المصاحف يوم صفين وقول الخوارج للإمام علي (عليه السلام): أجب القوم إلى كتاب الله.]
فقال السيد: هو مرتبط بقرين القرآن, هو مرتبط. أجب القوم إلى كتاب الله, ألم يقولوا هكذا؟ كتاب الله معه طريق من هنا من عند قرينه. لاحظ كيف كان مصيرهم.
عندما يأتي في القرآن آيات تتحدث عن مسألة أنه فئة من الناس يصلون إلى درجة أن يسمعوا القرآن, ولكن على قلوبهم أكنة, أليس القرآن يتحدث عنهم هكذا؟ وفي آذانهم وقر, على قلوبهم أكنة, على أبصارهم غشاوة, وأشياء من هذه, ما يدري واحد كيف يتصورها, وهو في نفس الوقت يفهم, لكن لم يعد هناك تفاعل مع ما يفهمه نهائياً, ما هناك تفاعل من جانبه, قلبه قد غطى عليه الرين, قلبه قد طُبع عليه قد خُتم عليه.
قد ربما يكون بعض الأمثلة, أو بعض الأشياء ما يعرفها عملياً محسوسة إلا مَن؟ إلا النوعية هذه, ما تستطيع أن تقدم مثالاً على مسألة كيف الطبع على القلب, والختم على القلب, وعلى العين, وعلى أبصارهم غشاوة, في آذانهم وقر, وأشياء من هذه, لكن ربما قد يتلمس الناس في حركتهم كيف يكون الإنسان ـ فعلاً ـ أنه يسمع الشيء ولكن كأنه لا يسمعه, يبصره ولكن كأنه لا يبصر, يفقه ولكن كأنه لا يفقه.
ولهذا ظاهرة تحدث عنها القرآن الكريم, واعتبرها هي حالة تأتي لأسباب من جانب الإنسان هو؛ لأنه لا يتفاعل مع ما يقدم له من هدي الله من القرآن الكريم. هذه القضية لها إيجابية كبيرة, أن تفهم بأن القضية ليست على مزاجك, والبادي منك هكذا. الأمور ليست على [متى ما واتانا والبادي مننا] تقبل, تتفاعل, تتحرك, ما لم يأت العكس, يختم الله على قلبك, يطبع على قلبك, يجعل على بصرك غشاوة, ويجعل على أذنك وقراً, وأشياء من هذه, ويبعد عنك القرآن, وقد أنت هناك وراء بعيد.
{نور هدىً على نور، وفرقان بين البِرِّ والفجور، أرشدُ زاجرٍ وآمرٍ، وأعدل مقسط ومعذِّر،} يبذل ما فيه إعذار, ولا فئة من الناس ما يمكن أن تنال منه, تستضيء بضيائه, وتستنير بنوره, وتهتدي بهداه, وهذا من أعجب الأشياء في القرآن الكريم.. الحكيم, العبقري, الفاهم, صاحب العلوم الكثيرة في أي مجال كان, ما يمكن أن يرى نفسه وقد هو من القرآن وكذاك, قد هو فوق القرآن أبداً, سيرى القرآن أكبر منه, وأوسع منه, والإنسان العامي البسيط يقدم له القرآن فيهتدي به, ويستنير بنوره, ويستضيء بضيائه, يعني يغطي المساحة كلها, ما يمكن تقول أن هذا شيء ما يمكن أن تستفيد منه, ولا يمكن .. هو فقط لطبقة المثقفين, وهو هناك, لا يهتدي بهداه عوام الناس, وإنما يهتدي بهداه حكماء الناس, وكبار علمائهم, وكبار مثقفيهم.
لا يوجد من كتابات الآخرين على هذا النحو, لا يوجد من صنع المخلوقين يكون على هذا النحو, في الأخير تراه فقط ينسجم مع فئة, مع مستوى معين, ينزله يقول له يا أخي ما هم فاهمين له, ما هم دارين ماذا يعني نهائياً..
[يوقظ بزجره النُّوَماء، ويعظ بأمره الحكماء، ويُحيي بروحه الموتى، ولا يزيد من مات عنه إلا موتاً، يعدل أبداً ولا يجور، وكل أمره فَقَدرٌ مقدور،] حقائق كلها حتمية عندما يقول: إذا لم تكن كذا فسيكون كذا, إذا لم تعمل كذا فسيحصل كذا, حقائق.
[ظاهره ضياء وبهْجَة، وباطنه غور ولجّة،] عمق [لا يُملك حَسنُ أنواره، ولا يُدرك باطنُ أغواره،] يملكه, احتواه, سيطر عليه. أليس معناها هكذا؟ قد يكون معناه إنْ ما بإمكان طرف معين أن يحتويه, وأن يسيطر عليه, ولا يعد هناك شيء يبقى نوره قائم, قد يكون هكذا ربما؟.
[ولا يُدرك باطنُ أغواره، فمن ظهر لظاهر مَنَاظِره، رأى أعاجيبه في موارده ومصادره،] عندما تتحرك على أساس القرآن ترى عجائب القرآن نفسه في مواردك, ومصادرك, يعني في كل حركتك, أليست هذه من أهم الآليات؟ إذا هي تقدم هناك آلية يقول لك: اقرأ علوم الآلة, اقرأ, اقرأ وستفهم القرآن!.. من الآليات الهامة هو أن تعرف أن القرآن متحرك, فتتحرك بحركة القرآن, وهنا ستفهم من القرآن, تفهم أشياء كثيرة جداً, هذه هي من الآليات.
إذا توقفت, فلو تقرأ كمّا تقرأ أبداً, بل قد يطلع قَلَب في الموضوع, وهذا الذي هو ملموس حقيقة, يقضي عدة سنين هناك ويسميه علوم آلة, ودخل إلى القرآن من باب ضلال, تصبح نظراته باطلة في أكثرها.
[ومن بَطُنَ لمستَبطَنِه رأى مكنون محاسنه، من غرائب علمه، وأطايب حِكَمِه،] لكن ما يدري واحد كيف الطريقة لأن يتبصر, هي أن يغوص في أعماق لجج القرآن. هو قال هناك في الفقرة السابقة, فالقرآن يفرض أن يكون الناس على حالة معينة, ونظرة معينة, وحركة معينة, ثم هو, هو يقدم, يفسر, مثلما قال هنا في المعايشة للقرآن وللواقع, ونظرة متبادلة, وحركة على أساسه, وتخلي من عوائق تحول بينك وبين فهمه, وبين الاهتداء به, تجد القرآن هو, هو يعلمك, وهذه هي قضية القرآن الكريم, وفي آيات الله, أنها في الواقع تدرك بالشكل الذي هي هي تحدثك, هي قد تكون بوضعية هي تحدثك, تناجيك, تقدم دلائلها هي تلقائياً إلى وجدانك.
لكن لا بد من تجلي المسالة, تقول: اجعلها مثلما تقول قاعدة, تعمل قاعدة يكون في ذهنيتي أنا أنظر إلى الحاجة وأصدر عليها حكماً, أقول: هذا محدث, إذاً لا بد له من محدث. هنا أنت تؤطر الموضوع وتضيقه, وكل ما رأيت من شيء تكون أنت, أنت تريد تصدر حكماً عليه, على هذا النحو. لا, القضية هي تكون بهذا الشكل: يكون عندك تفتح ذهنيتك, نفسك, ما يكون عندك عوائق, وما تكون أنت ترى وفق قواعد معينة.
نظرات وجدانية, هي نفسها تخاطبك هي نفسها, ترشدك هي نفسها, تدلي بشهادتها إليك, بشهادتها على ما وراءها, على ما هي تنبئ عنه إليك. وهذه القضية هي في القرآن الكريم, وفي آيات الله كلها, تجد مشكلة المعتزلي نفسه, عندما انطلق انطلاقة هو يباشر، ورأى أصناف الأشياء المتعددة كلها, تعني ماذا؟ أن لكل حادث محدث فقط, أنها دليل على أنها محدثة, وما أضيق هذه المعلومة! ضيقة جداً.
[ومن بَطُنَ لمستَبطَنِه، رأى مكنون محاسنه،] وأحياناً لو تحاول أنت في ظرف معين, تريد تستبطن, تستبطن.. ما يطلع لك شيء,ما يطلع باطن، لكن مع حركة الحياة, مع التردد الكثير على القرآن, والتفهم له, والتفهم للأحداث, والتفهم له, ولجوء دائم إلى الباري, اهتداء بالله, الدعاء له, {وقل رب زدني علماً}, والدعاء بأن يهديه, دعاء الليل.. هنا قد تأتي لك, والقرآن يكشفها.
قد يكون معظمها فوق المعنى اللغوي للمفردة, أنت ترى نص الآية, تأتي تفسرها بالمعاني اللغوية, فلا تعد تلمس أكثر من هذا, لكن مع الزمن, مع الوقت, تأتي فتفهم من خلالها أشياء كثيرة.
[ومن بَطُنَ لمستَبطَنِه، رأى مكنون محاسنه، من غرائب علمه، وأطايب حِكَمِه، لبابُ كل لباب، وفصل كل خطاب، وحكمه من حكم رب الأرباب، اكتفى به منه في هداه لأوليائه،] يكتفي به, أي جعله كافياً وتفهم معنى كافياً, أن من أسس القرآن هو الشد إلى الله, والهدى إلى الله, لا تفهم على الإطلاق أن القرآن ممكن أن يكون بديلاً عن الله, تتحرك تقول: قد معنا منهج مرسوم, وعلى أساسه قد, قد… وما عاد لك علاقة بالله! من أسسه الهامة, أنه يشدك إلى الله, هذه واحدة, والله يتدخل هو يهدي به, ومن خلاله يهدي هو, ما يزال يهدي هو.
[واصطفى به من خصّه الله سبحانه باصطفائه، فمصابيح الهدى به تُزْهِر واهجة، وسُبُل التقوى به إلى الله تلوح ناهجة، يُحتاج إليه ولا يَحتاج،] لاحظ عبارات صحيحة ليست مثل عبارات الآخرين: القرآن أحوج إلى السنة من حاجة السنة إلى القرآن! هذه قاعدة عملوها!.. أي الأحاديث تصبح في الأخير حَكَم على القرآن ومهيمنة عليه!. والأحاديث التي هم يشهدون بأن الكثير منها مكذوب! مع أنها تكون على نمط واحد, حدثنا فلان قال قال فلان أخبرنا فلان, قال قال رسول الله, أليست هكذا؟ أليست ترد على نمط واحد, ما هو صحيح, وما هو كذب.
[يُحتاج إليه ولا يَحتاج، سراجه أبداً بنوره وهَّاج،]يعني مستمر سراجه,متوهج مستمراً [يُعلِّم ولا يُعلَّم،]أنت لا تدخل إلى القرآن كمعلم للقرآن, عندما تدخل وعندك قواعد معينة تريد تحكِّمها عليه أنت هنا تدخل بروحية أنك أنت تأتي تؤقلم القرآن, وتريد تعلِّم القرآن كيف يكون هو.
[يُعلِّم ولا يُعلَّم، ويُقوِّم ولا يُقوَّم، فهو المهيمن الأمين،] مهيمن, جعله الله مهيمناً على كتبه [والفاصل المبين، والكتاب الكريم، والذكر الحكيم، والرضى المقنع،] يُوْجِد قناعات, يوجد طمأنينة, يوجد يقين, يوجد رضا, [والمنادي المسمع،] ما يمكن يأتي من الناس يقولون: ما سمعوا اما هم, أو ما وصلهم النداء حقه, أو ما… [والضياء الأضوى، والحبل الأقوى، والطود الأعلى، الذي يعلو فلا يُعلى، ولا يؤتى لسورة مِن سوره أبداً بمثل ولا نظير، ولا يوجد فيه اختلاف في خبر ولا حكم ولا تقدير، فصل كل خطاب، وأصل كل صواب. فجعلنا الله وإياكم من أهله، وعصمنا وإياكم بحبله، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وأهله وسلم تسليماً.
[وبعد: فإنا لمّا رأينا ـ فيه من جوامع الهدى واليقين،] هذا كعبارة عن مقدمة للتفسير [وبعد: فإنا لمّا رأينا ـ فيه من جوامع الهدى واليقين، وكان الهدى واليقين به مقدَّمة مُعتَصَمِ كل دين ـ علمنا متيقنين، وأيقنّا مستيقنين، أن لن نصيب رشداً، ولن ننال مطلوبَ هدىً، إلا به وعن تفسيره، وبما نوّر الله القلوب به من تنويره،] تفسيره وبما نور الله القلوب به من نوره.. يعني ما تفهم أن القضية مفصولة عن الله على الإطلاق … ممكن أقرأ لغة عربية تعينني على فهمه, باعتباره بلسان عربي مبين, أليست هذه واحدة يمكن أن أتدبره؟ وأتأمله, أستعين على فهمه؛ لأهتدي به, ومما يؤهلني به فيه هو أنه يهديني إلى الله؛ لأفهم أنني بحاجة إلى الله في الاهتداء به, وفي الالتزام به, وفي السير على نهجه.
[فنظرنا عند ذلك فيه، واستعنا بالله عليه، فوجدناه بَمنِّ الله لكل عِلْمٍ من الهدى ينبوعاً، ورأينا به كل خير] ينبوع, هو يشبه ينبوع الماء, ينبوع العين, هذا هو ينبوع العلم [ورأينا به كل خير في الهدى مجموعاً، فلا خير في الحياة الدنيا كخيره، ولا يُهتدى لأحكام الله بغيره، من طلب الهدى في غيره لم يجده أبداً، ومن طلبه به وجد فيه أفضل الهدى، فقصدنا قصده، والتمسنا رشده، فأيّ رشد فيه وجدنا؟!] رشد عظيم جداً [وإلى أيّ قصدٍ منه قصدنا؟!] يعني ما كان أعظم ما قصدنا إليه فيه [تالله ما غابت عنه من الهدى غائبة،] أليست هذه واحدة؟ إنه يجب أن تفهم الهدى, معناه بسعة الحياة, بسعة الكون كله, ما نؤطر الهدى نفسه, والاهتداء والهدى نؤطره في أشياء لمعرفة هذه الأحكام التي نسميها أحكام عبادات ومعاملات, يكون عنده ماذا يعني هدى لماذا؟ كل شئون الحياة, كل مجلات الحياة, كل أمور البشر في الحياة.
[تالله ما غابت عنه من الهدى غائبة، ولا خابت لطالب فيه خائبة، لقد كشف ستور الأغطية، وأظهر مكنون سرّ الأخفية،] مثلما قال: ولا خابت لطالب فيه خائبة، أي ما ترجع خائب عندما تطلب الهدى منه,ما ترجع خائب. طيب عندما أجي أرجع أنا وما فهمت ما أستغرب!…. ربما ما فهمت كيف الطريقة, ربما يوجد طريقة أخرى لأهتدي بالقرآن [لقد كشف ستور الأغطية، وأظهر مكنون سرّ الأخفية، على ما بُلي به قديماً من تلبيس ملوك الجبابرة، وأتباعها من علماء العوام المتحيِّرة،].
إذاً نفهم قضية أن الدين بكله القرآن الكريم, لا يمكن على الإطلاق أن أحداً يزيف, هو غير قابل للتزييف .. إنما بتقدم أشياء بتكون بدائل, تقدم بدائل, وتقدم أنها هي الدين هي, هي المعبرة عن القرآن, وهي تقول وتحسب ما تقوله أنه ما يريد القرآن, تعمل حديثاً وتقول هذا قاله النبي, وهكذا {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ}(لبقرة79 ا) {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}(لنساء46).
لا تتصور أن الإسلام نفسه هو قابل للتزييف, هذا غير صحيح, يأتون بأشياء يسمونها إسلام, يأتون بأشياء يحسبونها على الإسلام وليست منه, وهو يكذبها.
الجبابرة كانت هذه طرقهم, هل استطاعوا أن يغيروا آية من آياته؟ أبداً لكن اتجهوا لطرق يجعلون ما يقدمونه هو ماذا؟ هو ما يريده القرآن, يفهمون الناس بأن هذا هو ما يريده القرآن .. طاعتهم هي طاعة الله, كما أمر القرآن, أليس هكذا؟ وبالطريقة هذه.[على ما بلي به قديماً من تلبيس ملوك الجبابرة وأتباعها من علماء العوام المتحيرة] هؤلاء هم منابع الشر, وسلاطين الجور, وعلماء السوء[في توجيهها له] إنما تكون بالطريقة هذه فقط [في توجيهها له على أهوائها وتصريفه،] وهو في نفس الوقت يكذبهم, لكن يكونون بالشكل الذي لا يستجيبون لطرف آخر, يكشف باطلهم وزيفهم, ألم يكونوا يستخدمون الطريقتين هذه؟ تحريف لبسطاء الناس, ويكمموا أفواه آخرين, أو يقمعوهم, أليس هكذا يعملون؟.
يزيفون الأعلام أيضاً, مسألة علماء وأعلام يطلع لك عالم يسميه قاضي القضاة, وشيخ الإسلام, وعناوين من هذه, ويكبره أمام العامة, حتى يكون هو لسان الدين, وحبر الدين, وعلَم الدين, وهي فقط مصالح متبادلة ما بين هذا الشخص, وما بين السلطة.
[في توجيهها له على أهوائها وتصريفه، وتأويلها له بخطئها على تحريفه،] تحريفه لتأويلها [حتى عُطِّل فيهم قضاؤه، وبُدِّلت لديهم أسماؤه، فسمّيت الإساءة فيه إحساناً، والكفر بالله إيماناً، والهدى فيه عندهم ضلالاً، وعلماء أهله به جهّالاً،] يعني علماء أهله قدموهم هم جهال به.
[ونور حكمه ظُلَماً، وبصر ضيائه عمًى،] التعكيس هذا عكسوا الأشياء كلها [بل حتى كادت أن تُجعل فَاؤُهُ ألِفاً، وألفه للجهل بالله فاءًا، تلبيساً على الطالب المرتاد، وضلالة من العامة عن الرشاد، فنعوذ بالله من عماية العمين، والحمد لله رب العالمين.]
[فلو لا ما أبدى الله سبحانه من كتابه وحججه، وأذكى سبحانه من تنوير سرجه، لأبَادَ حُجَجَهُ ـ بتظاهرهم ـ المبطلون، ولأطفأ سرجَه الظلمة الذين لا يعقلون،]
……
مثلاً في موضوع السلطان الجائر له علاقة به, تلمس فيه يده, في كتب الجرح والتعديل تلمس فيها يده, في كتب الحديث كون هذا الكتاب هو أصح, كون هذا هو كذا, تلمس فيها يده, تفسير معين تلمس فيها يده, أشخاص معينين أشاد بهم تلمس فيها يده.. وهكذا تلمسهم في كل زاوية من الزوايا.
ما تكون فقط تقدر ما بِلاّ مسألة أنه يغصبوا الناس بحاجة وإلا سجنوهم. ما هي تقتصر على هذا! تراهم في كل مجال, هو يصنع الملهى, ويتحكم في المسجد أيضاً, ترى المدير حق الملهى قد يكون شخص من مخابراته, والخطيب حق الجامع شخص من مخابراته, ما هو بيكون هكذا؟.
يجعل الملهى بالشكل الذي يخدمه, ويجعل المسجد بالشكل الذي يخدم أغراضه؛ لهذا كانت القضية هامة جداً, قضية أنها سنة إلهية لا تتغير, وأنه هكذا كتبه وأعلام لكتبه؛ لأن الأعلام لكتبه هي تمثل ضمانة لكل ما هو مطروح في الساحة.
فإذا لم يكن هناك علَم هو هو الذي يتحكم في المسجد, هو الذي يوجه كيف يكون المسجد, فسيكون المسجد منبر ضلال وإضلال, منبر يدجن الأمة للظالم, بل يدجن الأمة لليهود حقيقة, منبر المسجد نفسه, يجعل الحج نفسه باطلاً, يجعل كل شيء مما هي أساساً أشياء وضعت ليهتدي بها الناس, وإيجابياتها في جانب الهدى, في جانب الحق, تتحول هي كلها إلى ماذا؟ إلى وسائل إضلال, إلى وسائل لترسيخ الظلم والطغيان.
فهي قضية هامة, أن قضية ولاية الأمر في الإسلام هي جعلت بشكل ضمانة للدين نفسه, هي تكون كلها, معالمه في الحياة, المسجد, الحج, النص القرآني وهو يقدم للأمة, المرشد, الخطيب, المدرِّس, الكاتب, كل هذه, كلها تحتاج إلى أن يكون هناك ضمانات من يوجهها, من يضبط مسيرتها وإلا ستستخدم لتكون طريقة إضلال. هل جاء مثلا أهل الباطل يدمروا المساجد؟ لا، بل بنوا مساجد وشيدوها, بنوا منارات ومنابر, وطبعوا المصاحف, وعينوا خطباء؛ لأنه ما هناك إشكالية فيها, ممكن يستخدمونها.
هكذا؛ ولهذا كانت عندما يقول لك الاثنا عشرية, هذا من أدل الدلائل على بطلان مذهب الاثنا عشرية, عندما يقول لك: إمام غائب على طول ألف سنة! هذه قضية غير صحيحة. الدين, الأمة بحاجة إلى علم هو قرين القرآن يشكل ضمانات لما هو مطروح في الساحة من الدين, وإلا فسيستخدم كل شيء من الدين لإضلال الأمة بما فيها القرآن نفسه.
هذه قضية ضرورية, لا بد أن يكون هناك ضمانة قائمة, وإلا فسيقدم كل شيء باطلاً, مذهب باطل. من يقول كذلك مثلاً: يأتي من يحكم الأمة وسابر, ظالم طاغية يقصم ظهرك.
طيب إن القضية هي أخطر من هذا, هل تجد أن بإمكان شخص واحد يحكم, وهمه فقط سلطة, يديول ويجي له فلوس محله؟ لا تحصل هذه. تجده في الأخير يتدخل هو في المسجد, يتدخل في التربية, يتدخل في التعليم, يتدخل في الإعلام, يتدخل في الصحافة, يتدخل حتى في التاريخ, في القرآن, يتدخل في كل شيء, يطبع كل شيء بنفسيته, بطابعه, يؤقلم كل شيء يكون بالشكل الذي يجعل الأمة تقبله وتتلائم معه.
عندما تقول لي: ظالم, منحط, افهم بأن معنى هذا أنه سيحط الأمة, ويحط الدين, ما تجي تقول: يا أخي ما هي مشكلة هو هناك وهي دنيا, هو هناك في القصر. ليست مسألة قصر, ليست مسألة قصر فقط, هل سيقتصر على القصر, يأخذ القصر ويجلس فيه, هل يمكن هذا, ويترك الدين؟ هل يمكن؟ لا, هو يعمل لك وزارة تربية وتعليم, يعمل وزارة أوقاف وإرشاد, ووزارة ثقافة, أليس هكذا يعمل؟ وزارة شئون قانونية, ووزارة كذا.. أليسوا هكذا يعملون في الدنيا هذه كلها؟.
يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من تثقيف الناس, إنما فقط ما عندهم النظرة التي عند أولياء الله, وهذا هو الفارق الكبير جداً, هو, هو لا يرى شيء منَّه وأعلى! هذه الإشكالية هنا, فيؤقلم الحياة, ويؤقلم الناس ليتلاءموا معه هو, بينما الطرف الآخر ما عنده النظرة هذه؛ لأنه فقط هو يجعل الحياة بما يتلاءم مع المسيرة إلى الله, الاهتداء إلى الله, ما يربط عنده. هذا هو الفارق الكبير, الفارق الكبير هو هذا.
أولياء الله لا يكون عنده النظرة هذه أن يؤقلم الأمة لتكون على ما يتلاءم معه هو, هو وسياسته, وواقعه حتى يصبح هو أفضل السيئين مثلاً, يحاول يجعل المجتمع سيئاً ليكون هو أفضل السيئين فينتهي بالأمة إلى عنده!.
أولياء الله ما يمكن على الإطلاق أن يعمل هذه, ما يمكن يعمل هذه على الإطلاق؛ لأنه الفكرة أساساً قدمت ليست بالشكل الذي يفكر في كيف يجعلهم يتلاءمون معه. ما هو مستغرق في الموضوع؟ مسيرة إلى الله؟ كيف يجعل دين الله هو قائم, وهدى الله هو السائد, يهدي إلى الله, يلتزم الناس ليكونوا مطيعين لله, يبني الحياة ويعمرها على أساس منهج الله, وهكذا.
الله لا يغيب عن أي مجال من مجالاته مثلما قال ذو القرنين بعدما كمّل السد: {هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي} (الكهف98) بينما الآخرون يقولون: [هذه من إنجازات فلان] أليسوا يقولون هكذا؟ من إنجازاته هو.
هنا يقول عنهم [حتى كادت أن تجعل فاؤه ألفاً وألفه فاء] تقليب للأمور بشكل رهيب, وما زالت الأشياء قائمة, مازالت الكعبة والحج قائمة, أليس هكذا؟ والمساجد قائمة وأكثر, والمدارس والجامعات, والمرشدين, والقرآن موجود, والحديث موجود, وكل شيء موجود, لكن قد كل شيء مشغل بالطريقة هذه: يجعل الألف فاءا, والفاء ألفاً!.
ثم إن المسألة تراها في الأخير كيف تنعكس على واقع حياة الناس هم, يرون ظلماً, وضلالا, وقهر, وذلة, وتخلف, وانحطاط, آلام, يعني كلها لا تكون مجابر, ما يكون سواء ما يُقدم من فوق منبر المسجد ضلال أو هدى, هو كله كلام.
لا, هو يخرج من المسجد إلى واقع الحياة, يخرج من المسجد إلى واقع الحياة, فتصبح الحياة هكذا, الله يشتغل من عنده, يشتغل من عنده, {وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}(الأعراف96) والظالم يشتغل من عنده, العدو يشتغل من عنده, وربي يشتغل من عنده تكون الأمور تمشي قلب, ويكون الناس يصيحون, والخطباء ملان الدنيا في المساجد, الناس يصيحون ويتألمون, ويشعرون بالذلة والقهر, والمصاحف ملان المساجد والبيوت, والجامعات والمراكز والمدارس ملان الدنيا, والحجاج بالملايين!.
ما هو الذي ضاع! لا يدرون ما هو الذي ضاع! ما كله كلام واحد؟ أليسوا كلهم يدورون هكذا على الكعبة؟ كلهم يدورون, لكن من الذي يشرف على الدورة هذه؟ تجد ملايين تدور ما تربى على أن تكون بشكل يرهب العدو. بينما أشخاص معدودين دخل بهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) جعلهم يعرضون عضلاتهم أمام الأعداء, ويتقافزون في السعي, في ثلاثة أشواط يتقافزون في السعي؛ لأن هناك شخص يدير المسألة يجعلها بالشكل الإيجابي, يجعلها بالشكل الذي يرهب العدو.
يأتي العدو بأشخاص يديرون المسألة, يقولون: لا, هذا حج والحج ما له علاقة بالسياسة, الحج ما له علاقة بكذا! هذه عبادة لله, دُور, اغزل فقط, اغزل على الكعبة فقط, ملايين تعود وهي لا أثر لها في الحياة, ويغرقونهم من أول ما يدخلوا الحدود, من أول ما يدخل الحدود يغرقوه بكتب من حقهم, ضلال, ولا أحد يتكلم إلا هم, لا أحد يؤم الناس إلا هم, لا أحد يتحدث إلا هم, لا أحد يوزع شيء, كتب إلا هم, إلا تأتي خلسة هكذا!.
فيصبح ملايين الحجاج مالهم أثر في الحياة كما كان لأولئك مئات معدودة, ولا كان تحتهم بلاط, كان تحتهم غبار, يطوف وعاده بيمتلي غبار. لكن هؤلاء استطاعوا أن يؤثروا في الدنيا, ونحن ملايين كغثاء السيل, من أين المشكلة؟ من أين المشكلة والقرآن موجود, وكل شيء موجود, والحرم اليوم أكبر من الحرم بالأمس وأجمل, أليس أجمل؟ كهرباء ومنارات, ومكبرات صوت رهيبة, وبلاط مبرد, ومساجد مفروشة ومزخرفة, ومكبرات صوت ومنارات من ثلاثين متر وأكثر!.
كل شيء في هذه الشكليات قائمة باقية لكن هناك خلل كبير، أين الضمانة التي تفعل هذه لتكون هدى وبناء للأمة؟ هذا الذي افتقد. لن يكون إلا ماذا؟ علم والقرآن, الأعلام الذين هم قرناء مع القرآن.
[فلو لا ما أبدى الله سبحانه من كتابه وحججه، وأذكى سبحانه من تنوير سرجه، لأبَادَ حُجَجَهُ ـ بتظاهرهم ـ المبطلون، ولأطفأ سرجَه الظلمة الذين لا يعقلون،] وأيضاً لا يعقلون أين تنتهي المسيرة بالأمة أنه في الأخير يسير هو. لاحظ الآن كيف المسيرة الآن, طرحنا في مكان آخر مثال لهذا.. قد صاروا يرون أنفسهم أنهم سائرون هم والأمة إلى البحر إلى الهاوية مثل فرعون تماما مثل فرعون والمصريين، ألم يتقدم قومه إلى البحر؟ أرسل في المدائن حاشرين, وجمع لك عشرات الآلاف وتقدمهم إلى ماذا؟ إلى البحر!.
الآن هم يتقدموننا إلى البحر, إلى البحر ويأتي بديلا عنهم وعنا ماذا؟ يهود! وهو يريد يقافط المسألة عليه, يقافط الأمة عليه, وفي السعودية يريد يقافط السعودية على مزاجه, وعلى تقبله هو هو, وفي اليمن نفس الشيء, وفي مصر نفس الشيء, وكل بلد عربي نفس الشيء؛ لأن ما هناك فكرة بأن يجعلوا الأمة بالشكل الذي يتلاءم مع دين الله, يبنوا الأمة بالشكل الذي تكون قوية في مواجهة أعداء الله, لا يوجد هذا.
لذلك تراهم في الأخير لكونهم لا يعقلون, ما عاد باستطاعته يشكل ضمانة لوجوده هو, يشكل ضمانه لوجوده هو. جارفين جاءوا يجرفوه, إنما فقط هم بادعين من طرف, أليس الشيول بدَّع من فلسطين؟ جارفين جرف, من أفغانستان, يجرفوا الأمة هذه, بهؤلاء الذين على أكتافها, وعلى رأسها, الحكام أنفسهم كلهم إلى البحر يجرفونهم.
لهذا تكون النظرة ضيقة أن تظن بأن المسألة شخص محل شخص, ما هو ضروري الشخص الفلاني, أو أن يكون من آل فلان, با يسبر فلان, أليست هذه تحصل أحيانا؟ حتى عند من يقول لك ما هو ضروري علي, ممكن أبو بكر, أبو بكر لا بأس, ومشّى المسألة! القضية ما تنتهي عند أشخاص, ما تنتهي عند أشخاص, علي, بايسبر واحد يكون اسمه أبو بكر, ما هناك مشكلة! أبو بكر هو بايصلي بالناس, ويجيش جيوش, ويعين ولاة, ويحدد ناس يسيروا, لا، المسألة هي في الأخير تنعكس على الدين بكله, وعلى الأمة بكلها, تنعكس؛ لأنه يجعل كل شيء يكون بالشكل الذي يتلاءم معه هو.
بينما على بن أبي طالب ما يكون عنده هذا التفكير أساساً, أن يكون غارقا في نفسه, فيجعل الأمة بالشكل الذي تتلاءم معه هو, بل يجعل الأمة بالشكل الذي تتلاءم مع المسيرة التي يسير عليها هو ومن قبله رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فيسيروا جميعاً في طريق الله, يسيرون جميعاً في طريق الله.
تلاحظ في حركة الإمام علي لو كان عنده التفكير هذا لكان يستطيع هو أيضاً, وهو قال هو: أنه لو شاء لاهتدى إلى مصفى هذا العسل, ولباب هذا القمح, وأشياء من هذه, هو كان يستطيع, ليس المعنى أن معاوية كان شخص داهية, وبصير… يستطيع أن يؤقلم الأمة معه, ويكون سلطانه بالشكل الذي يضيع معاوية, ولكن لا, القضية أنه هو يريد للناس أن يسيروا في هدي الله, ويتعامل معهم بالرؤية القرآنية نفسها, لا أن يتعامل معهم بالقهر, والإذلال.
يجلس يحركهم, يجلس يرغبهم, يجلس يحذرهم, يجلس يوعظهم, يذكرهم, لينطلقوا هم, هم, وإلا باستطاعته كان يعمل له جهاز مخابرات, يعمل له شرطة قمع, يعمل له بوليس قمع, وخلاص, أليس هو يستطيع أن يخضع العراقيين مثلما أخضعهم صدام والحجاج؟ يستطيع, لكن لا, لماذا؟ لأن هذه طريقة ليست طريقة صحيحة: أن يخضع الأمة. هو يريد أن يوعي الأمة, وتفهم الأمة, وإلا فستذوق عاقبة إهمالها, وإعراضها, هو هكذا وإلا تأتي العواقب في الأخير وتعلم الناس.
هي من أسهل الوسائل لأي شخص يحكم: أن تؤقلم الناس عليك وتخضعهم, تستطيع, أي واحد يحكم ما يحتاج عبقرية, ما يحتاج عبقرية, ولا شيء, جهاز مخابرات, وجهاز قمع, تخضعهم وبس, وخطباء في المساجد, ومدرسين في المدارس, وفي الجامعات, ولو ما بين تبصر تتحاكى! وهكذا, أليس الكثير من حكام العرب هكذا؟ صدام ألم يكن منطقه حتى شوع! حتى منطقه, أخضع العراقِ إلى درجة أنهم قد صاروا يقسمون بحياته, [وحياة السيد الرئيس]!.
ما كان الإمام علي يستطيع لو أراد أن يعمل بالطريقة هذه؟ ما أبسطها لمن لا يخاف الله؟ لمن لا يعرف دين الله, لمن ينطلق في ماذا؟ في أن يؤقلم الناس مع شخصيته, ويطبع المجتمع ليكون بالشكل الذي يتقبله, ما أسهلها الطريقة هذه, صدام نفسه كان حتى كلامه ومنطقه بالشكل الذي يشوهه.
[ولأطفأ سرجَه الظلمة الذين لا يعقلون، ولكن الله سبحانه أبى له أن يطفى، وجعله سراجاً لأوليائه أبداً لا يخفى، ولذلك ما يقول سبحانه: {يُرِيْدُوْنَ لِيُطْفِئُوا نُوْرَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُوْرَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُوْنَ}[التوبة: 32].ولعلنا ولا قوة إلا بالله العلي الكبير، وبالله نستعين على ما هممنا به لكتابه من التفسير، أن نضع مما علَّمنَا الله فيه طرفاً، وأن نَصِفَ فيه من وصف الحق وصفاً، نُبين عنه بما يُحْضِرنا فيه الله من التبيين، ونعتمد فيه على ما نزّله الله به من هذا اللسان العربي المبين،].
اللغة العربية هامة, اللغة العربية هامة, واللغة العربية هي التي لا نقرؤها, لا نحن ولا الذين في المساجد, نحو, وصرف, ومعاني, وبيان, هي معرفة القواعد فقط, لازم تعرف اللغة نفسها, تقدم اللغة نفسها, ولكن عندما تقرأ القواعد هذه فائدتها في جوانب محدودة, لكن معرفة الأساليب بطريقة طبيعية, أساليب اللغة, نََفََس اللغة, طرق العرب في التخاطب فيما بينهم, لا بد من أن تعرف النص العربي على أساس تتعامل معه, عن طريق الشعر, وعن طريق نصوص عربية.
[فإن الله جعله مفتاح علمه،] هذا بالنسبة للسان العربي {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}(الشعراء:195) [فإن الله جعله مفتاح علمه، ودليل من التمسه على حكمه، فلا يُفتح أبداً إلا بمفاتيحه، ولا تُكشف ظلمه إن عرضت في فهمه إلا بمصابيحه، فعنه فاستمعوا، وبه وفيه فانتفعوا، واعلموا أنَّا لن نضع من ذلك إلا قليلاً وإن أكثرنا،] عنده الرؤية هذه الإمام القاسم بأن أي شخص لا يستطيع أن يفسر القرآن بالكامل, ويقدم كل ما يحتويه القرآن في أي زمن كان, لا يستطيع أحد.
يستطيع فيما يتعلق بزمانه, وفي حركته, أما يجلس في بيته ويفسر قد يأتي بأشياء مما هي في الواقع تفسير لغوي, يأتي بأشياء هي مما قد تكون ظاهرة, أو شبه ظاهرة, أو قريبة, خلي المفسر يطلِّع لك أربعة مجلدات, خمسة مجلدات, ثلاثين مجلد, لكن ما يزال الكثير الكثير بالشكل الذي وإن بذل جهده ما هو متناول له؛ لأنه هكذا القرآن مربوط بالحياة, وبالحركة, والأحداث لها دخل كبير في الاستفادة منه, والجهاد في سبيل الله, نصر دين الله, الاستجابة لله هي تكون بهذا الشكل, لها دخل كبير, في ماذا؟ في الاستفادة منه, وفي تبيينه.
ولهذا نقول بالنسبة لحركة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى اله) حركته هي من التبيين, حركته هي تطبيق. لا تتصور أن باستطاعة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى اله) هو أن يجلس في مسجده ويبين القرآن كلمة كلمة, ويبين معانيه, بل هو نصه تنزل عليه مرتبا, أو منجما ـ كما يقولون ـ على مدى ثلاثة وعشرين سنة, مرتبط بالحركة, وبالحياة.
[واعلموا أنَّا لن نضع من ذلك إلا قليلاً وإن أكثرنا، وأنَّا وإن بلغنا من تفسيره كل مبلغ فلن نمسك عنه إلا وقد قصّرنا، وإن لكل تفسير منه تفسيراً، وإن قَلَّ تفسيره كثيراً،] والتفسير منه وإن قل تفسيرا كثيرا, [ولكل باب منه أبواب، وكل سبب فقد تَصِلُهُ الأسباب،] يفتح, ما هناك حاجة وقفت هنا, كل شيء هو مرتبط بأسباب, كل شيء له هو متصل بأشياء, وهكذا.
[وكل سبب فقد تَصِلُهُ الأسباب، إلا أنا سنقول في ذلك بما يُحضِرُنا الله فهمه، وما نسأل الله أن يهبنا في كتابه علمه.] يعني أن هذه رؤية, رؤية أهل البيت القدامى في موضوع التعامل مع القرآن, نسفت الرؤية هذه, يقول لك: [لا, كل شخص يستطيع أن يفهمه هو كله؛ لأنه مخاطب به, مكلف! كيف أن الله ممكن يكلفك, يخاطبك بما أنت مكلف به ثم لا تفهمه! إلا إنك تستطيع أن تفهمه] قاموا كل واحد قال: با نفهمه جا يربض عليه وعنده أنه سيفهمه! طلعنا صفر! حقيقة, وفهمناه قلب, وامتلأت نفوسنا ضلال.
[ونبدأ من تفسير كتاب الله بما نرجو أن يكون الله به بدأ، من تفسير السورة التي أمر نبيَّهُ أن يسأله فيها الهدى، وسماها عوآمّ هذه الأمة فاتحة الكتاب والفرقان،] أي المعروفة عندهم بهذا الاسم, [وقال بعضهم: اسمها أمُّ القرآن، وذلك مما يدل من يستدل، على أنها أول ما نزل، لا كما يقول بعض جهلة العوامّ بغير ما دليل ولا برهان، أن أول ما نزل من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِيْ خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق: 1ـ 2].] فأول ما نزل هي الفاتحة, الحمد لله رب العالمين, [ألا ترى كيف يقول: اقرأ ما يُقْريك، باسم ربك الذي نزل عليك، فأخبر جلّ ثناؤه أن قد نزّل عليه قبلها،] عندما يقول: اقرأ باسم ربك إذاً ما هو اسم ربك؟ قد نزل شيء قبل من كتابه, وأن تقرأ شيئا قد نزل, ما هو الاسم الذي أقرؤه؟ وما هو الذي أقرؤه؟.
ثم إن أكثر ما تعني قراءة الرسول (صلوات الله عليه وعلى اله) للقرآن, أن أقرأ, أن أتلو, اقرأ على الناس, أن تتلو على الناس, [فأخبر جلّ ثناؤه أن قد نزّل عليه قبلها، الاسم الذي أمره أن يقرأ به فيها ولها، وأن يقدمه في القراءة عليها، ثم يصير بعد القراءة به إليها.] عندما يقول: باسم ربك. إذاً أقل ما في الموضوع أنه قد نزل شيئا يقرؤه, ويبدأ قراءته به, وهو يريد هنا: بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم أنه عندما يقول: اقرأ, لازم أن يكون قد نزل شيئا ليقرأه. فسورة اقرأ هي تدل على أنه قد سبق شيئا نزل يقرؤه.
[ألا ترى أنه لو كان ما قد قرأ، هو ما أُمرَ عليه السلام أن يقرأ، لكان إنما أُمر بفعل تامّ مفعول، وقول قد تقدم مقول. وإنما اسم ربه الذي أُمِرَ أن يقرأ به بسم الله الرحمن الرحيم،] عندما يقول اقرأ, فهو قد أمر أن يفعل فعل تام, يعني قد وقع, أليس هكذا؟, يبدو كأنه يريد هكذا بالعبارة.
[ألا ترى أنه لو كان ما قد قرأ هو ما أمر عليه السلام أن يقرأ], أو أن يكون في قوله: اقرأ, هو ماذا؟ اقرأ؟ أن يكون في أمره له بأن يقول: اقرأ باسم ربك, هو قوله: اقرأ باسم ربك الذي خلق, لكان أمراً بأن يقرأ الشيء نفسه, أن يقرأ ماذا؟ يقرأ {اقرأ}!!.
[وإنما اسم ربه الذي أُمِرَ أن يقرأ به بسم الله الرحمن الرحيم، الذي قدّم به في صدر كل سورة عند أول كل تعليم.] هذه الآية: بسم الله الرحمن الرحيم, هي آية هامة فعلا.
والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد النبي وعلى آله، تم المديح الصغير، بمنِّ الله اللطيف الخبير.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
2016-11-14السيد حسين بدرالدين الحوثي ( رضوان الله عليه )
شبكة المسيرة الإعلامية، شبكة يمنية متنوعة تسعى لنشر الوعي وقيم الحق والعدالة بين مختلف شرائح المجتمعات العربية والإسلامية من منطلق الثقافة القرآنية، وتعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، وتعمل على نصرة قضايا المستضعفين، ومواجهة تزييف وسائل إعلام قوى الاستكبار وكشف مؤامرتها بمصداقية ومهنية وبطرق إبداعية.
copyright by Almasirah 2023 ©